يونيو .. هل حرَّر شهادة وفاة للمبادرة الثلاثية؟
الخرطوم: مريم أبَّشر 3 يوليو2022م
أفرزت مليونية الثلاثين من يونيو، وما صاحبها من عنف وبطش خلَّف تسعة قتلى وأعداد كبيرة من الجرحى والمفقودين، واقعاً جديداً في مسار الثورة وحالة عدم الاستقرار الملازم لها منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، حيث أصبحت المواجهة مكشوفة على كل الاحتمالات، رغم أن كثيراً من المراقبين كانوا يعوِّلون كثيراً على مبادرة الآلية الثلاثية التي تتزعَّمها الأمم المتحدة عبر بعثتها الخاصة بمساعدة السودان في الوصول للتحوُّل المدني الديموقراطي (يونيتامس) الذي يشكِّل المنتهى لثورة ديسمبر.
البعض يتخوَّف من أن تدفع حالة الغضب جراء قتل تسعة من الشباب في الاحتجاجات السلمية لإغلاق نوافذ التواصل بين المبادرة الثلاثية وقوى الثورة الحيِّة وفي مقدِّمتها قوى الحرية و التغيير ولجان المقاومة مع المكوِّن العسكري، حيث راجت معلومات قبيل مليونية الثلاثين من يوليو، عن لقاءات تتم في الخفاء بين قوى الحرية والتغيير والمكوِّن العسكري تحت إشراف ورعاية المبادرة الثلاثية .
المراقبون يتساءلون هل يمكن أن تدفع المليونية وما صاحبها من عنف لوقف قنوات التفاوض، أم أنها بالمقابل ستسرع من وتيرة عمل الآلية وضغوط المجتمع الدولي باتجاه إيجاد تسوية عاجلة تخرج البلاد من شبح الانهيار والنفق المظلم سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟ خاصة وأن شبه عزلة دولية باتت مطبَّقة على السودان منذ إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر.
ضغط دولي
ما حدث من عنف وقتل واعتقالات ضد المتظاهرين سيكون سبباً أن يمارس مزيداً من الضغوط على السلطة الحاكمة و ستكون التبعات المتوقعة لصالح الزخم الثوري، ويضيف الدكتور صلاح الدومة الخبير والأكاديمي أن المبادرة الثلاثية تترأسها بعثة “اليوميتامس” برئاسة فولكر، وهي بعثة من أكبر منظمة في العالم وتلقي ملابسات العنف بتبعات على المكوِّن العسكري ربما تكون عسكرية أو وضع السودان تحت البند السابع أو ربما يتم فرض عقوبات فردية على المتسببين في الأزمة. ويعتقد الدومة أن ماحدث من عنف فتح النار على السلطات من كل الاتجاهات.
ضعف فولكر
على غير الرأي القائل بأن ما حدث من عنف قوبلت به مليونية الثلاثين من يونيو، يمكن أن يدفع باتجاه الحل، يرى السفير و الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة أن ما حدث جعل رئيس الآلية الأفريقية في موقف لا يحسد عليه، وأضاف أبو شامة هنالك مجموعات كانت في الأصل مقاطعة للمبادرة وأخرى مؤيِّدة وهي مجموعات، أما فلول من النظام البائد أو قوى سياسية كانت مؤيِّدة للانقلاب، واستبعد أبو شامة دخول القوى الرافضة التي كان يثار بأنها تتفاوض سراً مع العسكر عبر الآلية الثلاثية في مغامرة جديدة، ويرى أن مبادرة الآلية الثلاثية فشلت حتى الآن في أن تجمع الفرقاء حول نقاط محدَّدة وأن فولكر، الآن في موقف ضعيف جداً.
استحالة
السفير والمحلِّل الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم، يمضي في إفادته لـ(الصيحة) بذات الاتجاه المرتكز على أن استمرار التفاوض عبر الآلية الثلاثية والمضي للأمام أصبح الأمل بشأنه ضعيف جداً ويعتقد أن التصرُّف العنيف الذي واجهت به الأجهزة الأمنية مليونية يوم الثلاثين من يونيو، حرَّر شهادة وفاة للمبادرة الثلاثية والحوار الذي كان بدأ بين الأطراف وأن عودة الجلوس بين الحرية والتغيير والمجموعة التي قامت بإجراءات الخامس والعشرين باتت مستحيلة بعد أن تمرَّدوا على الشارع وبدأ حوار داخل الغرف المغلقة وانقطع حبل الوصل بفعل العنف المفرط الذي واجهت به السلطات الشارع، وشكك السفير جمال في أن يكون المكوِّن العسكري على قلب رجل واحد تجاه استخدام العنف ضد المتظاهرين، وأضاف: المراقب يرى أن هنالك عدداً محدوداً يتصرَّف في إدارة البلد مقابل غياب آخرين ولم يستبعد وجود خلافات، وتساءل من يصدر التوجيهات للأجهزة باستخدام العنف والتصدي للمتظاهرين السلميين؟
وحسم السفير أمر المجتمع الدولي ورأى أنه أصبح بعيداً ومنهكاً وغير قادر على متابعة ما يدور في السودان، وقطع بأن الشارع أصبح أمام تحدٍ كبير، إما حياة أو موت، واستبعد الخيار القائل بإقامة انتخابات لحسم الجدل، وقال: من هي الجهة التي ستشكِّل مفوَّضية الانتخابات وتموِّلها؟ ومن الذي سيقبل بنتائج عملها؟ وتوقع استمرار الشباب المطالب بالحرية بالمظاهرات، وبالمقابل تمسُّك العسكر بالحكم، باعتبار أن إزاحتهم عن الكراسي تعني مثولهم للعقاب بشأن الجرائم المرتكبة ضد الشعب منذ ٢٠١٩م، وحتى الآن.