منى أبوزيد تكتب : لو كانت فأساً..!
3 يوليو 2022م
“العقل العظيم لا يحمل نوعاً”.. كولريدج..!
اللحى والشوارب ما عادت بفضل الله علامات فارقة في تقييم أثاث العقول، بعد أن تمكنت بنات جنسي من إرساء ثوابت الندية الأكاديمية وتذليل وعورة الشراكة المهنية، وها هن اليوم يحققن النجاح المهني ويتاخمن الغلَبة في كل شأن..!
رموزٌ ناجحة في إدارة شؤون المُؤسّسات الحكومية وسواعد لا تنوء ــ على رقَّتها ــ بحمل الحقائب الوزارية، وعقول واعدة تزاحم على الصّدارة العلمية، ولا ضير ــ أبداً ــ على هذه البلاد إذا ما جاء عليها يوم أصدرت فيه هيئة علماء السودان، فتوى سارَّة تُجوِّز تنصيب امرأة رئيسة للبلاد، ولكن..!
إذا ما سألتم عن فتوحاتهن الأسرية ونجاحاتهن الاجتماعية في ذات المضمار – مضمار الندية الإنسانية – وشراكاتهن الأسرية ومواقعهن العائلية وإيقاع خطواتهنّ في مسارات الرأي والمشورة وأثمان خياراتهنَّ وممتلكاتهنَّ الفكرية في سوق الزواج ..إلخ.. فإنكم تسألون عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. ذات الرجل الذي يتقبّل رأي الكاتبة ويثمِّن مواقف وقرارات سعادة الوزيرة ويقدِّر ويحترم خبرات السيدة المديرة، يُقلِّل من شأن ذات المرأة إذا ما تصادف يوماً أنّها نصفه الآخر..!
وهكذا تقف نفس المرأة الفاعلة المُؤثِّرة – في مُعظم الأحوال – أمام موقفين مُتناقضين بطلهما رجلٌ واحدٌ، يقر بأهمية ومقدرات وجدارة أنصاف الدوائر المكملة لرجال الآخرين، بينما يغمط نصف دائرته دوماً حقها ويتفنن في “تبخيس” منجزاتها التي يُقدِّرها ــ بدورهم ــ رجال آخرون، وهكذا دواليك. تلك معضلة الرجل العصري الذي تأبى نفسه أن يسلم بأن لكل مهرة نجاحاتها وأن لكل جواد كبواته..!
بالمُناسبة هنالك دراساتٌ جادة تورّطت في إثبات بعض الفروقات، كيف أن المرأة تتفوّق عادة في الطبيعة اللغوية والعلاقات الشخصية والذكاء الاجتماعي، بينما يتفوق الرجل بالمجالات الآلية والإلكترونية والحرفية. وكيف أنّ اللغة أكثر نمواً عند المرأة، بينما إدراك الصُّور والأشكال والحركة في المكان الأكثر نموّاً عند الرجل، وهكذا..!
وكلها أبحاث علمية جديرةٌ بالاحترام، إنما يبقى التشدق ــ غير المسؤول ــ ببعض المعلومات العلمية المبتورة حاضراً في نقاشات مثقفينا ومفكرينا وخاصّتنا قبل عامتنا، والذين يردِّدون “المرة كان فاس ما بتقطع الراس”، والحقيقة أنها لو كانت فأساً لكان حريٌّ بها أن تقطع دابر كل متشدق بهذه الجملة الفظيعة في ركاكة مبناها وسذاجة معناها. لكنها ليست كذلك بطبيعة الحال..!
فتوحات المرأة المهنية تبقى دوماً ناقصة في غياب النجاحات الاجتماعية المُوازية، فمتى يكف هذا المُجتمع ــ المُطفّف في موازين أحكامه ــ عن إنتاج نساء ناجحات مهنياً وتعيسات أسرياً؟. لعله يفعل حينما يدرك نصفه الخشن أنّ العقل الذكوري الصرف لا ينتج شيئاً أكثر من إنجازات العقل الأنثوي الصرف، وأن المرأة ليست فأساً ــ وكذلك الرجل ــ وليس مطلوباً من أي منهما أن يقطع رأساً..!