3 يوليو 2022م
قام السيد الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع بزيارة مهمة جداً إلى ولاية غرب دارفور وما زال مُقيماً فيها.
حميدتي من قيادات الدولة التي لا تعرف السكون، وهو قائدٌ شعبيٌّ يمتاز بعلاقات ممتازة مع عدد كبير من أهل السودان، بل هو شخص لمّاح، وكذلك قائد عسكري حصيفٌ لصيقٌ بقواته يعرفهم فرداً فرداً ويعرفونه معرفة الابن لوالده ويحبونه لدرجة العشق، ويقولون لما تسألهم عنه إنّه القائد والأخ والأب، نحن جميعاً مُستعدون للموت أمامه وخلفه وهو قائدٌ صريحٌ وواضحٌ قولاً وعملاً ولا يجامل أبداً في الحق، وكذلك رجل صوفي تجاني المنهل، له أذكارٌ راتبة ممسكٌ بها ومستمسك ومداوم عليها، وهو أيضاً رجل ودود ولوف تحبه إن دنيت منه، وله جسارة وفراسة ولباقة أهل البادية، بل به ذكاء فطري أخذه من البيئة التي عاش وولد فيها، وفوق هذا ظريف وخفيف الدم، ولكنه أيضاً حاسم عند القرار ولما تدلهم الخطوب، وفوق هذا عطوف وحنون على أهله، لين الجانب ومنفق دون ان يخاف الفقر، ولا يرد صاحب حاجة حتى ظن ذلك بعض تجار السياسة، أنها رشاوى سياسية ولكنها طبيعة الرجل قبل أن يكون في الحكم.
ولاية غرب دارفور هي من ضمن ولايات دارفور، وهي ولاية حدودية تجاور تشاد وأفريقيا وتسكنها قبائل عدة على رأسها قبيلة المساليت ذات التاريخ العريق الباذخ، وكانت كل قبائل ولاية غرب دارفور تعيش في وئام وإلفة ومودة وتزاوج وتصاهر، يجمعهم عبر التاريخ، سلطان من أهل بحر الدين.
وهذه الولاية بها خيرٌ كثيرٌ، ولكن ضربتها في السنوات الأخيرة الصراعات ودبت بين سكانها الخلافات نتيجة لعوامل كثيرة، منها أمراض الجوار ومشاكل وأمراض المركز والصِّراعات المسلحة في السودان وبعض التعقيدات المحلية لملكية الأراضي للقبائل وغير ذلك، ولكن أهم أسباب الانفراط الأمني تكمن في صراع السُّلطة في المركز وصراع الهامش والمركز، والصراعات الاقليمية، والصراعات داخل دول الجوار، والتدخلات العالمية في الشأن الداخلي السوداني، وكثرة انتشار السلاح، وقيام بعض حركات التمرد وبعض قرارات الحكومات المتعاقبة التي في مرات تُخالف العرف المحلي، وكذلك تطوُّر الحياة.. كل هذه الأسباب أدت إلى صراع عنيف داخل مجتمع غرب دارفور أدى إلى حروب أدّت إلى انفراط عقد الأمن بين المجموعات السكانية المختلفة، ذهب منه عدد كبير من الأرواح وظل يتكرّر، بل لا يقوم صلح إلا وأعقبه صراعٌ منذ سبعينات القرن الماضي، وهذه الصراعات سببت تصدعاّ كبيراً بين فصائل الأهل المختلفة، بل قسّمت المجتمع المحلي وصار القتل مباحاً ولأتفه الأسباب وكثر الهرج والمرج وخاصةً في ظروف ضعف هيبة الدولة وقِلّة حِيلة الحكم.
استمرّ هذا المنوال لمدة طويلة حتى ظنّ أهل هذه الولاية انهم ليسوا جزءاً من أهل السلطان، ومن كثرة الضيق والعُنف والقتل طالب بعضهم بالانفصال.
في ظل هذه الظروف، لا بد من موقف قوي من سلطة ما وخاصة من الحكومة القومية، حيث الإمكانيات وتبعية الأجهزة الأمنية العامة وشمول القرار ومركزته، وفوق هذا جاءت اتفاقية السلام من جوبا معها تبعيات إضافيّة تحتاج لتنزيلها لأرض الواقع.
ولكل هذه الأسباب، استدعي الأمر أن يذهب حميدتي لغرب دارفور سكناً لحين، ليعيد حبل الأمن الذي انفرط، ويعيد لحمة المُجتمع، ويفرض هيبة الدولة بالقانون والعُرف، ويُقدِّم بعضاً من خدمات اجتماعية وتنموية، بل يجعل للحكم هيبة ويعطي ساكني غرب دارفور أمناً وأماناً.. ويجعل دول الجوار تحس أنّ الدولة السُّودانية فرضت هيبة السُّلطة في أرض جوارها فتقم هي بذات المنوال، وتقف هي من أعمال النهب والسَّلب التي يقوم بها خارجو القانون هُنا وهُناك. وقديماً قيل (المال السائب يعلِّم السرقة).
إذن، رحلة حميدتي إلى غرب دارفور أملتها الحاجة إليها، وكذلك شُعُوره أنّ الأمر فيه الخاص والعام، وإن المُؤامرات التي تُحاك ضد السُّودان من داخله ومن خارجه أمسكت بتلابيب الأقاليم والولايات والريف لتحرق المركز.
إذن، مطلوبٌ إطفاء نيران وبؤر التوتر في الولايات ليستقر مركز السودان في الخرطوم.
إذن، ذهاب حميدتي الى غرب دارفور أملته الضرورة، خاصّةً وأنه رجل له قُدرة على اتّخاذ القرار دون أن يلتفت ولديه صفة الرجل الثاني في الدولة وقائد لكل الأجهزة هناك، وكذلك قائد لفصيل عسكري قوي ويعرف شعب الولاية جميعاً.
إذن، ذهاب حميدتي إلى غرب دارفور والبقاء هنالك محمدة كبيرة وفيه وعي بمهددات الوطن المحلية والقومية، بل العين الحمراء في السُّلطة مهمة، إنها رحلة مهمة لها ما بعدها.
نكتب مما حققت في المقال القادم.