(1)
الفنان العظيم عثمان حسين، كانت تنسج حول أغنياته العديد من القصص والأساطير،ولعل أطرفها أن (الجن) يلحن له أغنياته، وهذا النوع من النسج الخيالي وغير الواقعي، لو قمنا بتغيير زاوية الرؤية نجد فيه الكثير من التقدير والمحبة لعثمان حسين، رغم إنه يتسم بالمبالغة، ولكن لأن الألحان التي ألبسها لأغنياته هي بالفعل تعبِّر عن عبقرية لحنية خارقة، لا تنتمي إلا للجن والجنون، فكل أغنية عند عثمان حسين هي تجربة لحنية وشعورية مختلفة، وأغنياته من حيث الصياغة اللحنية لا تتشابه، فهو ظل يتفوَّق على نفسه في كل أغنية، يضع بصمة ولونية مغايرة.
(2)
تجربة عثمان حسين في عمومياتها وجدت التقدير، وصنَّفته واحداً من رموز التجديد في الأغنية السودانية من حيث المحتوى اللحني والمضمون الشعري والشعوري، ولعله يعتبر رائد ومؤسس مدرسة الشجن في الأغنية السودانية رفقة صنوه حسين بازرعة، ورغم ذلك السكب الوجداني الدافق، قد تجد إنساناً لا يحب أغنيات عثمان _ وذلك حقه بالطبع _ ولكن ذات ذلك الإنسان تجده (يحترم) التجربة رغم عدم انحيازه لها.
(3)
شخصياً أضع لعثمان حسين تقديراً خاصاً ليس مغنياً فحسب، بل (إنسان محترم)، ويعتبر عندي أنموذجاً يحتذى في احترام النفس والآخرين، فهو حينما شعر بأن صوته ليس على ما يرام وفقد الكثير من جمالياته، توقف الرجل عن الغناء ليحتفظ بتاريخه الجمالي عند الشعب السوداني، ذلك هو عثمان حسين، الذي قدَّم (محراب النيل، شجن، قصتنا، ليالي الخريف، الوكر المهجور، خاطرك الغالي، عُشرة الأيام، أوعديني وكيف لا أعشق جمالك) وغيرها من الروائع الخالدة في وجدان الشعب السوداني.
(4)
ولعلي هنا أقول صراحة وبكل وضوح إن مصطفى السني، فنان صنعته الصدفة، والصدفة عادة ما تصنع المشاهير دون أن يستوفوا شروطها ومطلوباتها، دخل الرجل للوسط الغنائي مغنياً لا يحمل أهم مؤهل وهو الصوت، رغم أن برنامج “أغاني وأغاني” قدَّمه للمستمع السوداني كحال الأصوات التي يفرضها هذا البرنامج قسراً وإجباراً.
(5)
ممارسة الغناء لا تحتاج لعضلات ولا يحتاج كذلك لبدل فخمة وربطات عنق أنيقة مستجلبة من باريس، القضية بسيطة وبسيطة جداً، هي أن تمتلك المؤهل الإبداعي اللازم شرطاً للبقاء في الساحة الفنية، ولكن الأخ مصطفى السني –حالياً- أو -سابقاً- يفتقد ذلك الشرط الأساسي، فهو يعاني من ضمور في الحبال الصوتية، وشيخوخة واضحة في الحنجرة، لذلك يظهر بهذا الصوت الخشن والأجش، ويعاني مصطفى السني حشرجة مزمنة، وإرهاق في المخارج الصوتية للحلق، لذلك يخرج صوته باهتاً وفاقداً للحيوية والجمال والتطريب.
السجل الغنائي لمصطفى السني، مصاب بأنيميا حادة، ولم يقدِّم ولا أغنية واحدة يمكنها أن تعزز من وضعه الراهن مغنياً، فإذا كان عثمان حسين، بكل جبروته الغنائي وسطوته اعتزل الغناء، فما الذي يمنع مصطفى السني من الاعتزال، احتراماً لنفسه أولاً واحتراماً لجمهوره، إذا كان لديه جمهور أصلاً.