أحمد يوسف يكتب : في حضرة الباشكاتب!!
2 يوليو 2022م
عندما استضفت الأخ الأستاذ محمد الأمين “الباشكاتب” وفرقته الموسيقية في سكني بمنطقة “ويست هاميستد” بلندن، كان من ضمنهم الإخوة ميرغني الزين والفاتح حسين وسعد الدين الطيب وفائز مليجي.. وبحكم تقارب السن نشأت بيننا علاقة مودة وصداقة امتدت منذ العام 1981 حتى تاريخ اليوم.. كانوا وقتها طلابا بمعهد الموسيقى.. وعندما عدت للسودان كنت لا أغيب عن زيارتهم في سكنهم بمنطقة الديم بالخرطوم.. شهد ذلك السكن ميلاد كثير من الاغنيات لمجموعة من الفنانين.. والحياة في حي الديم تتميز بالإلفة والمجاملة والتواصل.. أهل الحي يحبون الطرب.. عادة وبدون سابق تدبر.. يتم تخطيط وتنسيق حفلة في نفس اليوم.. تحييها مجموعة من المطربين والعازفين الذين يسكنون بالسكن ويشاركهم آخرون كالموصلي والخالدي “الله يرحمه” وعبد اللطيف وردي الصغير.. والضيافة كانت تتم بالمشاركة وما أسهلها في الديم حيث توجد أطعم كوارع.. كانت عند حاجة عشة.. والفول المصلح والكبدة والعدس..
رحلة لندن كانت هي البذرة والنواة لفكرة التسجيلات والتوثيق والتي أسّست لقيام شركة حصاد بعد أكثر من عشر سنوات.. تلك السنوات جرت فيها كثير من الأحداث.. فشهدت هزات اقتصادية كوقف الاستيراد.. واجتماعياً كقوانين سبتمبر وما سمي بالشريعة.. وسياسياً سقط نظام النميري.. والفترة الانتقالية “فترة سوار الدهب”. وعادت الأحزاب ثم جاء انقلاب الإخوان المسلمين الذي سمي بالإنقاذ.. ما أغربها وأعجبها من عشر سنوات..
تلك العلاقة مع هؤلاء الشباب ومن عبرهم توسعت علاقتي وشملت تقريباً كل زملائهم بمعهد الموسيقى ومن ضمنهم الموسيقار الموصلي الذي كان قد تخرج حديثاً وصار أستاذا للتأليف بالمعهد.. كان يدور بيننا حوار مستمر ونقاش عن كيفية تطوير الأغنية السودانية وتوثيقها بالشكل الذي يحدث عالمياً خاصة بعدما صُقلت مواهبهم بالعلم.. هذه الهموم المشتركة والحوارات المستمرة مع شباب المعهد أحيت فينا إنعاش بذرة الإنتاج والتسجيلات وحفّزتنا في الأسرة وبرعاية واهتمام وتوجيه الوالد يوسف حمد “الله يرحمه” على شراء أحدث أجهزة الأستديوهات وطباعة الأشرطة.. والتي كانت الفريدة والمتقدمة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.. ووصلت السودان في أغسطس عام 1983.. ولكن للظروف السابقة تم تخزينها آملين في أن يتم فتح الاستيراد ويتم تحسن في المناخ الاقتصادي والسياسي.. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. فتحول السودان وانتقل إلى الأسوأ وجاء انقلاب ونظام البشير.
قرّرت الاغتراب مرة أخرى وعدت إلى لندن بعد شهور من الانقلاب.. مكثت فيها لفترة عامين ثم بعدها استقريت في القاهرة..
كانت القاهرة ملاذاً لكل هارب من جحيم نظام الحكم في السودان خاصة وسط السياسيين والمثقفين والفنانين.. وقتها كان يتواجد محمد وردي ومحمد الأمين ومصطفى سيد أحمد ويوسف الموصلي واحمد الفرجوني وسيف الجامعة وعدد من الموسيقيين..
فقامت “حصاد” وتلك قصة سيأتي توثيقها في وقت آخر.
د. الفاتح حسين تخرج في المعهد العالي للموسيقى وتم ابتعاثه الى موسكو بالاتحاد السوفيتي للتحضير لدرجة الماجستير والدكتوراه.. ظل على تواصل معي وكان يمر علينا بالقاهرة أثناء عطلاته ويشارك في التسجيل لأشرطة “حصاد”.
في إحدى عطلاته صادف أن تواجدنا معاً بالسودان.. حكى لي عن شاب متمكن من الغناء ويسكن بالقرب منهم في حي المزاد ويستحق أن نهتم به ونتبناه ونقدمه للجمهور بمستوى يشبه ما تقدمه “حصاد”، ولثقتي في ذوق ومعرفة وحكم د. الفاتح تحمّست للفكرة وقام الأخ صلاح المبارك بالاتصال والتنسيق مع الفنان الشاب الذي كان هو “محمود عبد العزيز”.. ذهب له في مكان إقامته وكان يعاني من ظروف سيئة.. تحمس وفرح الشاب بالفكرة ووجدت هوى في نفسه التي كانت تسعى لتقديم الأفضل والمتميز.. وطلبنا منه جلسة استماع للتقييم والمناقشة.. فعلاً قام بعمل بروفة مع فرقته بقيادة المرحوم عبد الله الكردفاني استعداداً للجلسة.. وأقمنا جلسة استماع بكامل الفرقة الموسيقية وكانت بمنزل الخال الزعيم الطيب عبد الله بالمنشية.