إرجاء التسوية السياسية.. البحث عن مخرج
الخرطوم: صلاح مختار 2 يوليو2022م
مع تزايد خطر الأزمة السياسية بالسودان وتعقيدات المشهد الداخلي برزت مبادرات عديدة للتسوية من بينها الحوار الذي يجري بين قوى الحرية والتغيير والمكوِّن العسكري الذي جاء بوساطة من السعودية وأمريكا وتوصل العديد من المراقبين بضرورة إيجاد تسوية بين المدنيين والعسكريين لتجاوز حالة الانسداد والتقدُّم نحو تسوية سياسية تنهي على الأقل حالة الهشاشة السياسية والسيولة الأمنية التي تشهدها البلاد منذ الإجراءات التي أطاحت بأعضاء مجلس الوزراء في 25 أكتوبر.
عنق الزجاجة
المبادرات السياسية الكثيرة التي طرحت حتى الآن لم تستطع إيجاد حل ومخرج من عنق الزجاجة التي فيها البلاد، من بينها دعوات حوارية طرحتها بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم حظيت بقبول لدى الأطراف كافة تقريباً، لكن سرعان ما تم إبطاؤها بعد الزيارة التي قام بها مبعوث الاتحاد الأفريقي باعتباره الجهة المعنية برعاية الوثيقة الدستورية وأن الأولوية في قيادات المبادرات الدولية تؤول إلى الجهات الإقليمية، وعندما زار الخرطوم وفد من مفوَّضية الاتحاد الأفريقي برئاسة موسى فكي، رئيس المفوَّضية أبلغه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، موقفه من حل الأزمة الراهنة وفق أربعة محاور، تشمل إطلاق عملية حوار شامل يضم جميع القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد دون استثناء، عدا حزب المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية وإجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتواكب متغيِّرات مشهد البلاد السياسي، والتأكيد على قيام انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.
قاب قوسين
حتى الدعوات التي جاءت من أطراف خارجية اصطدمت بجدار التباينات الداخلية وفقدان الثقة بين الأطراف، حيث اعترضت قوى سياسية داخل مركزيّ الحرية والتغيير على مشروع تسوية كان يتوقّع إعلانها قبل يوم 30 يونيو، وقالت مصادر وفق (الحراك)، إنّ الاعتراض جاء على مشروع تسوية تعتبر أحد مخرجات التواصل مع المكوِّن العسكري. وأضاف بأنّ موقف القوى قاد إلى تأجيل الإعلان عن التسوية، واصفًا الإرجاء بالمفاجئ كونه كان ”قاب قوسين أو أدنى” عقب اجتماعات ماكوكية عقدت خلال اليومين الماضيين، وكشفت الصحيفة عن ملامح التسوية التي أرجئت إلى أجلّ غير مسمى، وقالت: إنّ التسوية تمثّل شراكة بصيغة جديدة بين العسكر و”قحت”، الأمر الذي اعترضت عليه الأحزاب، وأضاف بأنّ الاعتراض بسبب أنّ هذه القوى ترى أنّ المطلوب من المكوِّن العسكري فقط تسليم السلطة للمدنيين.
خطوة صادمة
بالنسبة إلى المحلِّل السياسي إبراهيم آدم، يرى أن ما تم تسريبه من حوارات بين القوى الحرية والتغيير والمكوِّن العسكري تم بضغوط خارجية، كما هو معلوم، وأن قاعدة واسعة من عضوية “قحت” ترى أن الخطوة كانت بالنسبة لهم خطوة صادمة، وقال لـ(الصيحة): طيف واسع يجزم بنتيجة فشل المحاولات الخارجية لإيجاد تسوية بين المدنيين والعسكريين لإنهاء الأزمة السودانية، ويرى أن كان ثمة اتفاق سيكون على الأمور التي لم تكن أصلاً موضوع خلاف مثل: الحكومة المستقلة بينما المواضيع الخلافية التي فجَّرت الأزمة مثل: المجلس التشريعي ومشاركة العسكر ومواعيد الانتخابات وغيرها ما زالت المواقف حولها متباعدة ولا يرجَّح الوصول فيها لتوافق، وبالتالي الوصول إلى تسوية سياسية غير وارد في هذه الظروف، حيث المواقف متباعدة، مبيِّناً أن أهم مطلوباتها التوافق السياسي بين اللاعبين السياسيين والمتمثلين في العسكر ومن يدعمهم، وأحزاب قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة وهو ما لا يمكن إيجاده الآن وهو سبب التغيير المفاجيء.
تقديم تنازلات
لكن المحامي والناشط السياسي الكاشف حسين عباس، يقول لـ«الصيحة»: إن الأفق مسدود أمام تسوية عاجلة في ظل وجود مطالب مرتبطة بتقديم المتورطين في قتل الثوار والعنف المفرط تجاه المحتجين، ورأى أن الوضع يحتاج إلى درجة عالية جداً من الحكمة، وأن التسوية تتطلب تنازلات كبيرة من الأطراف كافة، إذ على الشق المدني السياسي الحزبي التخلي عن فكرة المحاصصة الحزبية والموافقة على مبدأ تشكيل حكومة من غير المنتمين حزبياً (تكنوقراط) في مقابل الإيفاء بالحقوق العدلية من جهة المكوِّن العسكري إزاء القتل والعنف بما فيه تقديم المتورطين في حادثة فض الاعتصام أمام القيادة العسكرية في الخرطوم للعدالة.
وأوضح أن أي حديث عن تسوية يجب أن يفهم في سياق لجنة للحقيقة والمصالحة ذات رؤية محاسبية في المقام الأول تعمل على تحديد الجرح واندماله بحكمة حكماء أهل السودان الفاعلين وقوى الحكمة الحيَّة بمهنية قانونية ذات أفق تحكيمي،
ورأى أن سيناريو الاتفاق السياسي بعد الميثاق الذي طرحته لجان المقاومة يستلزم دمج المحاور السابقة على أن تكون للبعثة الأممية والاتحاد الأفريقي دور رقابي لتنفيذ أي اتفاق محتمل بخاصة فيما يتعلق بدمج الحركات حاملة السلاح والموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
كل التسوية
يعتقد محلِّلون أن الوصول إلى تسوية بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين عملية في غاية الصعوبة في ظل تنامي الخلافات والمشاحنات بين أطراف العملية السياسية، وقال مصدر لـ(الصيحة): إذا كانت المشاورات التي أجراها رئيس البعثة الأممية في الخرطوم، فولكر بيرتس، وفريقه والتي شملت أكثر من (35) هيئة وتنظيماً محلياً، لم تتوصل إلى نتائج فإن الوصول إلى تسوية ثنائية -كما يراه البعض- لن يتم بسهولة، وأضاف: إن التسوية في شكلها العام ممكنة ولكنها تصطدم بواقع يرفضه العديد من القوى السياسية التي أعلنت رفضها أي تسوية على أساس ثنائي، ولفت إلى حديث البرهان بأن الحوار يجب أن يكون شاملاً، وبالتالي ليس هناك معنى لحوار يقوم على أساس ثنائي. ورأى أن شكل التسوية يمكن أن يكون في ناحية إعادة النظر في عضوية أي مجلس سيادة مستقبلي وحجمه ودوره مع تفضيل إشرافه على مهام الفترة الانتقالية فقط، من دون تدخّل مباشر في عمل السلطة التنفيذية.
كما أن هناك إجماع على ضرورة ضم الجماعات المسلحة غير الموقعة، حركة تحرير السودان- عبد الواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال عبد العزيز الحلو، إلى اتفاق جوبا للسلام. وبالمثل، كان هناك إجماع على أنّ جميع القوات العسكرية وشبه العسكرية في السودان يجب أن تتّحد ضمن جيش وطني واحد غير حزبي بقيادة واحدة وعقيدة واحدة، علاوة على ذلك، كان هناك إجماع على الحاجة الملحِّة إلى المساءلة عن جرائم الماضي في السودان.
بعيد المنال
وقال المحلِّل السياسي عمار سيد أحمد: إن مليونية 30 يونيو، أرسلت رسالة مهمة للكافة بأن الغلبة هي للحراك الجماهيري، مبيِّناً أن أي توسية تتم بمعزل عن الشارع الذي يقوده الشباب لن يكتب لها النجاح ولن تؤدي إلى أي استقرار، مبيِّناً أن القيادة العسكرية تراهن على عدم اتفاق القوى السياسية، ولهذا تردد دائماً أنها لن تسلم السلطة إلا في حالة توافق أو في حالة الانتخابات، موضحاً أن التوافق بعيد المنال ولن يتم في ظل الواقع السياسي الحالي.