كتبت مقالين سابقين عن الشوفان والبرنامج التلفزيوني المهتم بأمر الطعام وساقني ذلك لقصة وذكرى مع (الفتوشيني) وهو أحد الأطباق الإيطالية التي غزت عالمنا العربي بكثافة وهو طبق يعتمد على (المعكرونة).
بعد عودتي من الإمارات.. نحاول دائماً وأسرتي أن نكون بدرجة عالية جداً من المرونة حتى نستطيع تحمّل الصدمات القوية وقد بذلت في ذلك استعداداً نفسياً عالياً جداً بدأ متدرِّجاً منذ ولادتهم بالإمارات وعيشهم بها طوال سنوات عمرهم حتي عودتنا النهائية.. بدأت بالزيارات السنوية الطويلة فقد كانوا يقضون كل الإجازة الصيفية بالسودان حتى انتهى الأمر بالعودة النهائية.. وهم الآن (غبش) يقفون في صفوف الرغيف من وقتٍ مبكر يخوضون معركته القاسية المشحونة بالأنانية والفساد الأخلاقي والمهني والإنساني.. أصبحت الآن أكثر اطمئناناً عليهم فالمعارك تزيدهم قوة وصلابة يعرفون كيف يدافعون عن حقوقهم.. أحياناً عندما يطول انتظارهم في الصفوف أقول لهم اتركوا مكانكم وتعالوا نبحث عن بدائل أخرى فوجدتهم يبدعون في ذلك. .على الأقل مجرد اقتناعهم بأن هناك (بدائل متاحة) فهذا مكسب كبير في حد ذاته… اليوم ونحن نلتهم (القراصة مع أم بقبق) وهذه لا يعرفها الكثيرون من هذا الجيل تذكرت خاطرة كتبتها قبل سنين وأنا على رأس عملي.. وربما أكون قد نشرتها على قروبات الواتساب الخاصة ولارتباطها بموضوع الأزمات نعيد نشرها للجميع وكانت تحت عنوان:
(انكشح الفوتشيني)
من صحراء بيوضة امتد صبرها ومن النيل اكتسبت العطاء…. بطول النخل تقف شامخة والأبنوس الصلب عودها… جذورها ضاربة في القدم……. من الحضارة الكوشية….. إلى يومنا هذا…. حيث لم يبق من البشرية يومها إلا سيدنا نوح عليه السلام ومن ركب معه السفينة حينها….. وكوش هو ابن حام بن نوح عليه السلام… أي قدم هذا!!!!…. وأي حضارة هذه !!!!؟؟
حياتنا حيوات….. أي أنها أكثر من حياة واحدة
نسعى في الأرض على دورانها…… ولا نخشى السقوط…. نكتسب المعرفة… المال… الصبر… العطاء… ونختلط بالآخرين…. زوجتي شغوفة باكتساب مهارات جديدة…. واختلاط الثقافة… في المأكل والمشرب والملبس والعادة والتقليد…. ما يشبهنا ولا يعيبنا……. وتحب أن تسعدنا دائماً…. لكنها ربما لا تدري أن منبع السعادة عندي أن أجد صحراء بيوضة وامتداد الصبر داخل (الشقة) وعطاء النيل يشمل الحي الأسمنتي…. فتمتد (البروش) في رمضان على الأسفلت الصلد الجاف تطوعه وتلينه…
بعد يوم من عناء العمل عدت منزلي لتقابلني بابتسامتها المعتادة ….. اليوم (عاملة ليك باستا) بادئ الأمر اعتقدت أنها (باسطة) فرحلت بخيالي لأيام (سلا) الخوالي….. وعندما فتحت فرن البوتجاز تفاجأت بغير (الباسطة) التي أعرفها…. شكلها ورائحتها توحي بأنها شئ لذيذ….. فنهض ابني الصغير ليحمل عنها الطبق….. (يا ولد براحة… براحة… براااااحة ما تكشح الفوتشيني)…… (ياااااااخ يا ولد كشحت الفوتشيني)……. قلت ضاحكا ومقهقهاً… بركة الكشحوا وبركة الكشحوا وبركة الكشحوا,,,,,,, (فالكشح والولد والفوتشيني لا يجتمعان)…… وما عيب القراصة مع أم بقبق؟؟!!
سلام