أحداث الفشقة
هل تجمع المصائب المصابينـا؟
أحداث الفشقة
هل تجمع المصائب المصابينـا؟
الخرطوم: نجدة بشارة
بعد ساعات من إعلان القوات المسلحة عن مجزرة الأسرى وشهداء “الفشقة” تسارعت ردود الفعل الرسمية والدبلوماسية والشعبية وحتى المعارضة المناوئة للمكوِّن العسكري إلى استنكار وإدانة المجزرة وتوحدت خلف لافتة واحدة “الوطن”، بل وتحوَّلت كل أصوات المنصات الرسمية والمضادة إلى إدانة ورفض السلوك الأثيوبي، والوقوف خلف القوات المسلحة مع المطالبة بالقصاص لحق الجنود .
وفي السياق كانت مريم الصادق المهدي “المنصورة” الأسرع في التعليق عن المجزرة، وقالت: إن الشعب السوداني يدعم جيشه الوطني ويقف خلفه إذ يقوم بواجبه الدستوري في حماية حدود وسيادة أرض الوطن وأمن مواطنيه.
ودعت كل المكوِّنات السياسية والمدنية والمجتمعية إعلان الوقوف بقوة في مؤازرة القوات المسلحة في مهمتها الجليلة، وأضافت: ولنجعل بتكاتفنا الوطني يوم 30 يونيو، يوم الفلاح والنجاح الوطني بالتعاهد على إقامة الحكم المدني الديموقراطي، حيث يقوم المدنيون بالحكم وفق أسس دستورية متوافق عليها، وتلتزم مؤسستنا العسكرية المهنية بحماية الوطن، وحراسة مكتسباته.
وزادت: أهيب بكافة قواتنا النظامية فض المواجهة مع شعبها والعمل على حماية الوطن من التعدي، ورفع يدها عن المواكب السلمية، بل حمايتها من كل مترصد.
اختراق الأزمة
ويرى مراقبون أن أحداث “الفشقة”، وقتل أفراد من القوات المسلحة، وحَّد الخطاب السياسي، خلال ساعات، وهو الشيء الذي عجزت عنه المبادرات والوساطات الداخلية والخارجية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر، وأن مجزرة “الفشقة” أحدثت اختراقاً في الأزمة التي استعصت على الصديق والعدو، وأظهرت ردود فعل حقيقية، مثال مريم الصادق، والباشمندس عمر الدقير، وصولاً للجان المقاومة والناشطين والصحفيين وشباب الشارع، إلا القليل الذين اعتبروا أن اجراءات 25 أكتوبر، تركت البلاد في حالة سيولة أمنية، وأن الانقسام أغرى باستباحة البلاد نسبة إلى انشغال المكوِّن العسكري بالسلطة، ورغم ذلك يتساءل متابعون على منصات التواصل عن هل المصائب تجمع المصابينا؟ أم أن جذوة ردود الفعل سوف تخمد ويحمل المكوِّن العسكري مسؤولية استباحة البلاد أمنياً وتزداد وتيرة المشاكسات؟.
الحصة وطن
وتداع الكُتَّاب بمؤازرة الجيش السوداني حيث كتب الكاتب عثمان فضل الله، مقالاً إشار فيه إلى أن الموقف السياسي يجب أن يتنزَّه عن روح التشفي وأن المؤسسة العسكرية ومنسوبيها لم يتم استيرادهم من الخارج، فهم أخي وأخوك عمي خالي وأبوك، هم نحن، فإن ارتكبت قيادتها أخطاء جعلت الكثيرين يشعرون تجاهها بالغبن فذاك إلى زوال بلا شك، لأن المواقف السياسية متغيَّرة والقيادة العسكرية متغيَّرة والثابت أن هناك جيش مهمته الأساسية والرئيسة هي الدفاع عن أرض وإنسان السودان، وهذا الجيش يجد منا بجميع منسوبيه كل الاحترام والتبجيل.
وغرَّد الهندي عز الدين قائلاً: إن الحصة وطن والجيش جيشنا.
سيولة واستباحة
في الجانب الآخر حمَّل حزب الأمة القومي في بيان المؤسسة القيادات العسكرية مسؤولية ما حدث، وقال الحزب: إن الوضع السياسي الهش الناجم عن اجراءات 25 أكتوبر 2021م، ترك البلاد في حالة من السيولة والانقسام يغريان باستباحة البلاد واختراقها والعبث بكرامة مواطنيها.
وأضاف “وقادة البلاد مسؤولون أمام الشعب والتاريخ عن هذه الانتكاسات المتوالية، وما زالوا يناورون ويداورون بشأن الاستحقاقات المطلوبة تجاه عملية تحوُّل مدني ديموقراطي تحظى بالثقة و المصداقية والشفافية”.
وتابع “آن لهذا الوضع أن ينتهي سريعاً لتتفرَّغ قواتنا المسلحة الباسلة لحماية الأرض والعرض وصون تراب الوطن، ومن خلفها الشعب السوداني الكريم بأسره، بدلاً من أن تكون قيادتها الحالية جزءاً من العملية السياسية، مقحمة الجيش في ملعب يعرضه لاختلاف الآراء حوله، ويجعل منه طرفاً يفتقر للحياد في نظر البعض، وهذا كله وبال على أمننا القومي”.
البيئة الوطنية مهيَّأة
قطع المحلِّل الاستراتيجي، وعضو سابق في لجنة الترسيم الحدودي في “الفشقة”، السفير الطريفي كرمنو لـ(الصيحة) بأن لا نزاع حول الوطن والحصة وطن، وكل القوى السياسية يجب أن تقف خلف القوات المسلحة وترفض ما حدث من مجزرة تجاه الجنود .
وأمَّن بقوله على أن المصيبة تجمع المصابينا، وزاد: يجب أن يلتف كل مواطن غيور حول الوطن، وأن تترك الخلافات الداخلية جانباً الآن، لأن البيئة الوطنية مهيَّأة لذلك يجب أن تقف القوى المدنية وتساند القوات المسلحة، حتى قوات الكفاح المسلح يجب أن تستنفر مع الجيش السوداني، وتقف على قلب رجل واحد لنصرة الجيش .
الموقف الراهن
الخبير العسكري والاستراتيجي محمد بشير سليمان، قال لـ(الصيحة): إن المؤسسة العسكرية مؤسسة قومية، وبالتالي وعلى مستوى الحدث يجب أن يقف السودانيين جميعاً تجاه مساندة هذه المؤسسة بغض النظر عن خلافات البعض مع القيادات العسكرية، وأن تترك الخلافات إلى حين أن تصل معها إلى صيغة توافقية تنتهي بتسليم السلطة في إطار الانتخابات النزيهة ليعود العساكر بعدها إلى ثكناتهم .
وقال: لكن لن تكون بعيدة عن السياسة بأي حال .
وزاد: في الموقف الراهن هنالك بعض القوى السياسية التي تعمل وفق رؤيتها ومصالحها الضيِّقة، الشيء الذي أوجد لها عداءً سياسياً مع القوات المسلحة، وأضاف: أرى الحروب توحِّد وأن اختلفت الشعوب، على الفهم القومي العام، ويرى بشير أن المعضلة الحقيقة للأزمة الآن أن المجتمع السوداني غير متماسك وهش وقائم على الجهوية وتنتشر فيه خطابات الكراهية، جميعها عوامل تضعف إسناد القوات المسلحة، وأوضح بأن ليس هنالك صراع سياسي بين المكوِّن المدني والعسكري بقدر ما هو صراع بين وطنيين وآخرين ينفِّذون أجندات خارجية تقودها جهات خارجية لتآمر دولي يجذب القوى غير الوطنية للانجراف حول هذه المخططات.