* لا أحد يستطيع أن يضمن أن تمر أي حملات تصعيد دون خسائر قد تكون فادحة جداً، وذلك لعدة أسباب معلومة للجميع، فعلى الأقل أن خروج عدة آلاف فقط يكفي لتوفير بيئة خصبة لصناعة الفوضى وإثارة الشغب، من قبل المكونات المقفلة التي تنتظر مثل هذه الفرص، فضلاً عن بعض الجماعات المستفيدة الأخرى من هذا المناخ، التي مورس في حقها العزل والإقصاء.. و.. و…
* الأحداث القليلة الفائتة أثبتت ذلك، ليس عبر التصريحات الإعلامية فحسب، بل ذلك ما أثبتته الضبطيات الشرطية بالصورة والصوت، بحيث رأى المواطنون رأي العين بعض المتفلتين الذين عاثوا في الأرض الفساد، ممن يتسلحون بالأسلحة البيضاء.
* على أن قوى التغيير من جهتها استبقت الأحداث وحملت المجلس العسكري والأجهزة الأمنية سقوط ضحايا محتملين، كما لو أن قوى الحرية والتغيير وذراعها الثوري الذي يتمثل في تجمع المهنيين، يعلمون علم اليقين بأن مسيرات التصعيد الحالية ستنتهي لا محالة إلى حتمية غير سلمية كما أثبتت الأحداث والأيام دائماً ذلك..
* وهنا سؤال في غاية الأهمية، ما هو نصيب لجان المهنيين صاحبة امتياز هذه المسيرات التصعيدية وراسم خططها ومحدد مساراتها من أي خسائر محتملة، في التاريخ الإسلامي أن الفئة الباغية التي تسببت في قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه، هي الجهة التي أخرجته، وعليه فإن الفئة التي يجب أن تتحمل كبر ما سيحدث، هي بامتياز الجهة صاحبة خطط التصعيد..
* على أن هنالك من جهة أخرى، من يسعى إلى جر البلاد دائماً إلى مصير (الفوضى الخلاقة)، على اعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد ليجد هولاء موطئ قدم لهم في ردهات المسرح السياسي ومنصات صناعة الأحداث والتاريخ، غير أن التاريخ الناصع المشرف لا يصنع عبر الضحايا والدماء والأشلاء، ويفترض أن يصنع عبر الأطر الديمقراطية..
* فعلى الأقل أن هنالك جهات تبدو كما لو أنها لا تبالي بعملية حدوث المزيد من الضحايا، إن كان هذا سيوفر لها المزيد من المسوغات، في سبيل الوصول إلى السيطرة على منصات الحكم ولو كان ذلك على جثث الشهداء الأبرياء، بحيث يفترض أن أرواح السودانيين أغلى من أي مكسب سياسي وأثمن من الظفر بأي قسمة في مجالس الحكم الانتقالي.. و… و….
* على أن هنالك اتهامات ظلت تلاحق المكونات الحزبية اليسارية، التي تسعى لنيل عهدة حكم كاملة في الفترة الانتقالية تقدر بأربع سنوات بأكملها، بأن هذه المكونات والتجمعات واللجان الهلامية تفتأ تعمل على الهروب من صندوق الاستحقاقات الانتخابية واكتساب الشرعية عبرالخيارات الديمقراطية، ولذلك هي تعمل المستحيل الآن لحكم البلاد بشرعية غير انتخابية …
* مهما يكن من أمر، فلئن تمكنت قوى اليسار السوداني داخل قوى الحرية والتغيير، في إخراج عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف إلى الشارع، ففي المقابل يجب أن نستدرك أن هنالك أكثر من ثلاثين مليون سوداني لم يخرجوا إلى الطرقات، بحيث أن قيمة الحكم لا تفرضها مجموعة عبر الشارع مهما ارتفع صوتها، اللهم إلا أن يتراضى السودانيون في هذه اللحظة التاريخية على مبدأ الاحتكام إلى الشارع، وفي هذه الحالة، فإن هنالك شوارع أخرى يجب أن تفرش وتُضمّن في كراسة مسودات إرساء هياكل حكم الفترة الانتقالية… وليس هذا كل ما هناك.