اللواء يونس محمود وحديث في ذكرى الإنقاذ لـ(الصيحة) (1 – 2)
الحديث عن طائرة الزبير مُغالاة وتجاوُز عن المعقول
الإنقاذ انقلابٌ عسكريٌّ في ظُروفٍ مُواتية بالداخل
هنالك أكثر من عملية انقلابية لاستلام الحكم سبقت الإنقاذ
هناك من زيّنوا للرئيس الترشح لانتخابات 2015 و2020
إسلاميون وإنقاذيون أعلنوا عدم ترشح البشير حتى لا يُدخل نفسه في حرجٍ
تمر اليوم ذكرى ثورة الإنقاذ الوطني التي أطاحت بفترة حكم ديمقراطي، ورغم أنّ الوقت في السودان فترة من الثورة وانحياز الجيش للثورة، ولكن تظل فترة الإنقاذ مثار أسئلة لدى الكثير من المُراقبين حولها، وإن اختلف الناس فالإنقاذ تظل علامة فَارقة في التاريخ السوداني بحُسنها وقُبحها ومحاسنها ومساوئها ولكنها كغيرها من الثورات سيكتب عنها التاريخ.
فالسؤال الذي وجدناه ملحاً عند الناس لماذا قامت الإنقاذ بالثورة، ولماذا فشلت؟ هنالك جملة من الأسئلة التي طَرحناها على اللواء ركن يونس محمود صاحب الصوت المعروف (أيها الشعب السوداني البطل) فماذا قال:
حاوره: صلاح مختار
تصوير: محمد نور محكر
لماذا قُمتم بالإنقاذ.. هناك خَلطٌ حول تصنيف الثورة في 89؟
بعد أن أخذ نَفَسَاً عميقاً، قال: الحمد لله الذي بيده الملك يؤتيه من يشاء وكيف شاء وقت شاء وينزعه ممن يشاء وقت شاء وكيف شاء.
مُقاطعاً.. هل هي انقلاب أم ثورة؟
هي وجهان لعملةٍ واحدةٍ ولكل بحسب موقفه وانتمائه أن يصف هذه الثورة.. يمكن تسميتها انقلاباً، أو يُمكن تسميتها ثورة، ويمكن أن تصبح مُزاوجة بين الثورة المفضية إلى انقلاب، أو الانقلاب الذي فَجّرَ شرارة الثورة.
أنت عاصرت الفترة.. مَا تَقديرك للإنقاذ؟
البعض يراها انقلاباً عسكرياً في ظروفٍ مُواتيةٍ وجَرَت فيها كثير من التراتيب لأكثر من انقلابٍ يدعم أكثر من واجهة سياسية عاملة في ذلك، لأنّ السُّودان في ذلك الوقت شهد ضعفاً للأداء السِّياسي للأحزاب الطائفية، وكان التّمرُّد في شدته وتمدُّده وتهديده لمُجمل الكيان السوداني، والمنفستو لقرنق كان يتحدّث عن السودان الجديد الذي يقوم على أنقاض السودان القديم.
مقاطعاً.. ماذا تقصد بالسودان القديم؟
السودان القديم نعني به الدولة السودانية بكل ميراثها وملامح الحكم وكيفية تداوُله.
هل الإنقاذ فعلها السِّياسيون ونفّذها العسكريون؟
أكيد أيِّ انقلاب عسكري له نصيرٌ سياسيٌّ، وفي انقلاب عبود كَانَ فيه إسنادٌ سِياسيٌّ من حِزب الأمة، وانقلاب نميري كان فيه إسنادٌ من الشيوعي واليساريين عموماً، وانقلاب الإنقاذ مسنود من الجبهة الإسلامية، وانقلاب البعثيين كان مسنوداً من اليَساريين، وبالتالي أيِّ انقلاب عسكري يكون وراءه إسناد سياسي مُزاوجة ما بين العمل العسكري والسِّياسي، فهي دورة اعتاد عليها السُّودان.
انقلاب الإنقاذ لم يكن الأول حيث سبقه التخطيط لانقلاب آخر هل هذا حقيقة؟
هي طبعاً مُنافسة، لأنّ الوضع السِّياسي مُغرٍ لأكثر من انقلابٍ، وفعلاً كان هنالك أكثر من عملية انقلابية لاستلام الحكم وتوجيهه وفق أيدولوجيا المجموعة بطرفيها السياسي العسكري، ولكن في النهاية أقدار الله شَاءت أنّه يَمضي انقلاب الإنقاذ بشكله المَعروف للنّاس انتهاءً بالمَشهد الدراماتيكي في الحادي عشر من أبريل 2019 وأصبح صَفحة من تاريخ السُّودان فيها (السيئ والحسن والصَاح والخطأ) وفيها (العديل والعوج والزين والشين) مثلها مثل أيِّ تجربة إنسانية شاركت فيها طائفة مُقدّرة من أهل السودان، فهي ما منبوذة للدرجة التي يُحاول معها بعض الناس الآن أن يلقوا عليها اللائمة ويكيّفوا بهذا الكي، وإذا حَصرنا جُملَة الشّخصيّات السُّودانيّة المُشَارِكَة خلال الثلاثين عاماً لوجدنا غالب أهل السُّودان شَاركوا بدرجةٍ أو أخرى في هذه الفترة، فلم تكن حِكراً على الناس الذين قاموا بها أو الذين نفّذوها.
البشير قال في السابق إنّ نسبة نجاح الإنقاذ لا تتعدّى (10%)؟
هُو حَديثٌ تَقديريٌّ للرئيس السَّابق مَقرونٌ بالإمكانَات المُتاحة ونسب الفشل والنّجاح المُتاح، ولكن في العُمُوم أنجزت المُهمّة التي عَليها، والقُوّات المُسلّحة في ذلك الوقت كانت في حالة غضبٍ وعدم رضاء سياسي، لأنها دفعت ثمنها غالياً في ميدان المعركة، وكانت القوات المسلحة في أسوأ حالاتها لولا صبر الرجال وتحرِّي المروة، كان يُمكن أن ينكسر الجيش ويلحق بكثيرٍ من الجيوش الأفريقية التي انهارت أمام ضربات المُعارضة، ودخلت العواصم واستطاعت ركز راياتها على قصر الرئاسة، عدا السودان وهذه مَحمدة يجب أن تظل في طوية السودان سرّه وعلانيته.. ولذلك عندما وجدت نداء للتغيير داخل القيادة العامة، كل الناس أيّدت ولم يُسجّل أيِّ اعتراض على المَشروع الانقلابي عَلَى السُّلطة الشّرعية داخل المُؤسّسة العسكرية، بالتالي أخذت شرعيتها من انحياز القُوّات المُسلّحة لهذا العمل، كذلك الفئات السِّياسيَّة بعضها بادرت في البداية بالتأييد وجمهور السودان حتى تأسس الحكم.
كيف يتم اختيار أعضاء قيادة الثورة رغم أنّ التّنظيم الإسلامي وراء الانقلاب؟
الحكم في ذلك الوقت يقتضي أنك تمثل رمزية السودان وإثنيته، فضلاً عن تشكيلات القوات المسلحة، لذلك تجد بين أعضاء مجلس قيادة الثورة كل السوادان ممثلاً، وكل أفرع القوات المسلحة بتشكيلاتها الرسمية موجودة وهي نَوعٌ من الحِكمة التي لا تَغيب عَن شَخصٍ أو جهةٍ أو مؤسّسةٍ تريد حكم السودان حتى تُرضي الناس.
قال البعض إنّ الإنقاذ كان من المُفترض أن تحكم فترة (3) سنوات ثم تُسلِّم الحكم إلى حكومة مدنية؟
الصراع على السُّلطة في النهاية يفضي إلى ذهاب الريح، بالتالي ظَهرت هذه البدايات من مجلس قيادة الثورة، فحل المجلس عبارة عن ابتدار مرحلة مدنية وانتهاء المرحلة العسكرية واستلام السلطة، ظلّت الخِلافَات تَكبر مع حَركة الناس مع المُستقبل، وتفاقمت بعد ذلك في مرحلة المُفَاصَلة العام 99 بالخلاف الكبير ومنها لم تجد الإنقاذ عافية.
بمعنى كانت هناك عوامل أضعفت الإنقاذ؟
لأنّ الشق تعمّق وأصبح واضحاً جداً في إضعاف العمل كله وتَصَادَفَ مع مَوقف السودان في الخليج والموقف الأمريكي والحِصَار الإقليمي والإعلام العَالمي، جُملة من الأعمال تَضَافَرت وأجهضت الإنقاذ، إضَافَةً لذلك نَشَأت الحَركات المُسَلّحة ووسّعت مِن نَشاطها، وجاءت ادعاءات المحكمة الجنائية وفاقمت الأمر.
الخلافات هل كانت داخل المُؤسّسة العسكرية أم بين التنظيم السياسي والجناح العسكري؟
لا.. داخل المُؤسّسة العسكرية، لأن في النهاية الذين قاموا بهذا العمل من الرئيس والمجموعة التي معه تخلّصوا من العضوية الكثيرة العاملة بعد حَل مجلس قيادة الثّورة، فَخَفّفت الحِزمَـــــة العسكريّة في السُّلطة، وتقلّصت في البشير وبكري وعبد الرحيم محمد حسين، وليس هنالك من أحد من الناس من قيادة مجلس قيادة الثورة بعد ذلك.. وفي الجانب السياسي لم يكن حِكراً على المجموعة التي قَامت بالترتيب من منطلق توسعة المواعين لاستيعاب عناصر سياسية من الطوائف وأحزاب من شخصيات وطنية، فالمُشاركون من الخارج أصبحوا أكبر من المُؤسِّسين.
هل الخلافات الداخلية هي التي أدّت إلى إسقاط طائرة الزبير؟
لا لا.. هذا غير صحيحٍ، هذا نوعٌ من المغالاة في التخيُّل.. لا يوجد شيء بهذا الخصوص، لم يَحصل هذا أصلاً هي من أقدار الله، لكن لا أحدٌ في السُّودان أن يقتص من خصمه السِّياسي بالاغتيال على الإطلاق ولم تُسَجَّل حادثة اغتيال سياسي واحدة في السُّودان مع تبايُن الواقف.
مَا يَجمع قيادات مجلس قيادة ثورة الإنقاذ.. هل كان هناك ميثاق شرف؟
المَضمون عرف الناس ودينهم وعهدهم مع الله وخدمة الوطن، ولكن لا تُوجد ورقة مكتوبة لميثاق شرف أكثر من الانتماء للوطن والحركة الإسلامية وللحركة الوطنية التي دعت الناس للقيام بهذا العمل، وللأهَــــــــــداف المُتّفق عليها ومع حُضُور الدفع الجَماهيري الكَبير التي وَجدتها الإنقاذ في عهدها الأول.
ألا توافقني أنّ الرأي العَام الخَارجي أيّد الإنقاذ في البداية ولم يعرف تَوجّهاتها ثُمّ انقلب عليه؟
هو كشأن كل جديدٍ يكون معروفاً بمَلامحه ويسبر أغواره ابتداءً، ولكن رويدا من خلال التجريب والمُراقبة والمُعاهدة تكتشف طبائع الإنسان وأهدافه وما هي الوسائل التي يستخدمها والأجندة التي جاء من أجلها.
هَل تَسرّعت الإنقاذ في الكشف عن وجهها الإسلامي قبل أن تَتَمَكّن في فترة الحكم؟
الانتماء ليس حاجةً قبيحةً حتى يُحاول مُداراتها لفتراتٍ طويلةٍ، ليست هنالك إشكالية في الانتماء، لكن الذين من حولك ليسوا أغبياء.. مُراقبون وسياسيون في الداخل يرون (زيد وعبيد)، تباروا في تأييد الموقف، بالتالي يَكُون شَاهداً على المَوقف، شَكله وانتماؤه يَصبح واضحاً.. أيضاً المُراقبون لديهم من الذكاء مَا يَحملهم لِقَول الحَقيقة أو اكتشاف أَمرك هي مَرحلة أولى ثُمّ تأتي المَراحل المُعلنة.
النزاع الذي أدى للمُفاصلة بين الإسلاميين هل هو مسرحية لجعل البعض في الحكومة وأخرى في المُعارضة؟
هي ليست مسرحية ولكن كان حقيقة، الخلاف في حكام الولايات كان في المجلس الوطني مادة تقضى بانتخاب حكام الولايات انتخاباً مُباشراً من القواعد الرئاسية، ومقترح يرى أن يكون الولاة بالتعيين حتى يظل الوالي تابعاً للرئاسة لو حَسّ أنه مُنتخب من قواعده، ولفترةٍ زمنيةٍ محدّدة يُمكن أن يُغرِّد خارج السرب، ويُمكن أن يحس بأنه ليس للرئيس سلطة عليه، وبالتالي يُمكن تنفك عروة وحدة السُّودان وتصبح الولايات بدلاً مما هي فدرالية، تمضي في اتجاه كونفيدرالي أو نزعة انفصالية أو استقلالية ذاتية هذا وجه الخلاف في المآلات التي تَتَرَتّب على تفسير المادة، الرئاسة كانت مُصِرّة على تعيين الولاة، والمجلس الوطني برئاسة الترابي كان مُصِرّاً على انتخاب الولاة.. وهي القشة التي قَصَمَت ظهر البعير.
ولكن هنالك قضية تحديد فترة الرئيس البشير.. أليست من قضايا الخلاف الكبيرة؟
لا.. هذه تم تحديدها في الدستور بعد الجمهورية الثانية بأن آخر فترة للرئيس هي 2015، بعد ذلك هناك أناس خدموا في اتجاه التمديد للفترة الثانية، البشير لم تكن لديه الرغبة.. الذين أدخلوا الرئيس في انتخابات 2015 لم يُراعوا الرأي الغالب، ومضت 2015، نفس الناس أيضاً زيّنوا للبشير بأن يدخل انتخابات 2020، ولذلك مُجرّد إعلان الدخول في الانتخابات أثار استياءً وغضباً، وفجّر الشارع كله بموجة من الغضب العَارم بما فيهم داخل الصف الإسلامي والإنقاذي، وهناك كثيرون داخل الصف أعلنوا هذا الكلام مِراراً وتِكراراً بأنّه لم يكن هُناك داعٍ بأن يترشّح البشير مَرّةً أخرى ويُدخل نفسه في هذا الحَرَج في 2020م.
ولكن نقطة تحديد فترة البشير كانت من الخلافات الرئيسية بينه والترابي؟
هناك ورقة سياسيّة مُمتازة قدّمها شيخ حسن 2014 بأن الرئيس أن أصبح لازماً لانتخابات 2015 ويظل رمزياً فقط، وكل صلاحياته الدستورية والتنفيذية تذهب إلى مجلس وزراء انتقالي ومجلس وطني انتقالي وحكومة ولايات انتقالية، ويتم تكوين أربع مفوضيات وكان واجبها تَمهيد وتَهيئة الوطن للدُّخول إلى انتخابات يُشارك فيها كل القِوى السِّياسيَّة في 2016، ولو كان النّاس استمعت وقَرّأت الورقة ومَنحت الاعتبار وقَبِلَ البشير بأن يكون لفترة انتقالية لمدة عام 2016 ودخل الناس في انتخابات، لم نكن ندخل في هذا المأزق.. ولكن أحياناً يكون الناس صُماً وعمياً عن رؤية الحقيقة أو يرونها، ولكن يتم نكرانها لأسباب الصراع والخلاف.