مني ابوزيد تكتب: شيءٌ آخر..!
هنالك فرق
مني ابوزيد
شيءٌ آخر..!
“وفوق هذه العقائد الثابتة تتَموضع طبقةٌ سطحيةٌ من الآراء والأفكار التي تُولد وتَموت باستمرار.. وأكثرها أهميةً لا تتجاوز حياة جيلٍ كامل”.. جوستاف لوبون..!
في كل منعطفٍ سياسي يتَطلَّب رأياً بضرورة إيجاب أو رؤيةً بالحاجة إلى تغيير أجدُني دوماً من دُعاة العودة إلى الطبيعة، ولا أعني بالطبيعة هنا وصفات الطب البديل أو مُنتجات الطعام “الأورقانيك”، بل العودة إلى طبيعة الأنماط السلوكية التي يتّخذها البشر الخطاءون في منعطفات إنسانية مُشابهة، أقل رسميةً وتنَطُّعاً، وأكثر بساطةً وانتشاراً..!
لذا أعتقد أنّ الإجابة على استفهام شائع مثل السؤال عن أسباب تراجع معدلات حماسة معظم “ناس الله” – عامة الشعب من الثوار – بشأن مصداقية شركاء التوقيع على الوثيقة الدستورية تقتضي العودة إلى الطبيعة أولاً، قبل الاستعانة بأمّهات الكتب في التحليل السياسي وعلم النفس الاجتماعي، من ابن خلدون إلى الكواكبي، ومن فرانسوا فوريه إلى جوستاف لوبون، إلى الدلاي لاما نفسه، إلى كائنات أسطورية في أبعاد موازية إن شِئت..!
كل السفسطة والمَنطَقة والتحليلات السياسية المُبهرة – لمراحل ومآلات هذا العرس الثوري المجيد – عظيمة ومفيدة، لكنها ستقودك أبداً إلى ذات الدائرة، دائرة السلوك النمطي لبعض أقاربك ومعارفك في حفل عرسٍ ما، لأنها – ببساطة – ليست أكثر فائدة من مُحاولة التأمُّل “بنفسك” في أنماط السلوك الإنساني حولك..!
صاحب الكشك الذي يبيعك “الاسكراتشات” في صمت، على ناصية الشارع، والذي ظلَّت تتعاقب عليه الفصول السياسية، لكن ولاؤه ظَلَّ للقمة عيشه، سوف يسعده أن يذهب السابقون واللاحقون إلى ذات الجحيم – لا فرق – إن كان ذلك سيجعله يعيش حياة كريمة في بلدٍ آمنٍ. يحدث هذا مع أنه كان يجالس العم صديق وأحمد ربيع والأصم في ذات البقعة من ساحة القيادة، وكان يصرخ بذات الحماسة في ميدان الثورة، لكنه عاد إلى ذات الكشك على ناصية الشارع، يشكو ضيق الحال ويتذمّر من غلاء الأسعار، وكيف وكم أنّ الحياة ليست عادلة..!
شأنه شأن قريبتك التي تتكفّل بمراقبة الطباخ وتجيد كتابة قوائم المشتريات في مُناسبات الأعراس لكنها لا تصلح لتمثيل الأسرة في جلسات التعارف. مَن الذي قال إنّها لا تجيد، ومَن الذي قرَّر أن يقتصر دورها على المطبخ بينما تُنتَدب نظيرتها من قريباتك لمهمة تمثيل الأسرة في صالون الضيوف؟. إنّهم وجهاء العائلة بالطبع، الذين لا تعلم أنت تحديداً كيف تتويجهم..!
هؤلاء هم وجهاء العائلة الذين يُلقِّنون الغرباء دروساً إذا لزم الأمر، ويرفعون رأس العائلة عالياً في كل محفل، إنهم يمثلونك دون شك، لكنهم سيقومون بإقصائك من مجالسهم إن أنت قلت أي “بغم” بدعوى الحاجة إلى التغيير..!
لماذا يحدث ذلك؟. لأن الثورة – ببساطة – شيءٌ والتغيير شيءٌ آخر، ولأن الفرق بين الثورة والتغيير هو ذات الفرق بين النجاح في الحصول على الطلاق من شريكٍ سابق والمقدرة على إنجاح الزواج من شريكٍ لاحق..!
الفرق يكمن دوماً في تلك التفاصيل مُتناهية القُبح والصِّغر، عظيمةُ الأثر والخطر. ما تفعله السُّلطة وما يُحدثه زوالها، ما يفعله ضياع ذلك “الكونيكشن” بين التابع والمتبوع، وما يُحدثه تسَلُّل الآخر بين تلك الفجوات التي تتّسع تِبَاعَاً..!
إنها ببساطة الحكاية ذاتها، ذلك العرس الثوري الذي شابَته بعض أخطاء الشركاء ولازمته بعض عيوب التمثيل. إنها أوهام النخبة التي تقع مآلاتها على رؤوس “الناس العاديين”، بينما يقع على عاتقها “هي” إصلاح المنهج، بنفض العدة القديمة، وتغيير بعض الأدوات..!