أمريكا روسيا.. سباق الأجنحة في السودان
أمريكا روسيا.. سباق الأجنحة في السودان
الخرطوم: صلاح مختار
لم يستبعد تقرير المعهد العربي للدراسات والأبحاث في العاصمة القطرية الدوحة في أن الزيارة التي سيقوم بها الرئيس جو بايدن، لمنطقة الشرق الأوسط خلال المدة من ١٣ – ١٦/٧/٢٠٢٢م، تشمل بحث قضايا حيوية أخرى، مثل: اليمن ولبنان وفلسطين ليبيا والسودان، وأمن المنطقة العربية بشكل عام. في وقت تُبدي إدارة بايدن قلقًا من تنامي علاقات حلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، بروسيا والصين. واستبقت أمريكا وصول بايدن إلى السعودية بابتعاث مبعوث جديد إلى السودان من أجل الضغط على الأطراف السياسية بغية التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع السياسي في البلاد ويقطع الطريق أمام التمدُّد الروسي في المنطقة.
روسيا والسودان
ساندت روسيا السودان في أكثر من موقف داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة ووقفت أمام القرارات الرامية إلى إدانة الحكومة السودانية, ويرى محلِّلون أن روسيا تريد من خلال موقفها في السودان إعادة علاقتها القديمة في المنطقة وإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر وقطع الطريق أمام الولايات المتحدة في السيطرة على المياه الدولية في المنطقة, ولكن يعد أكبر تطوُّر إيجابي في علاقة البلدين الزيارة التي قام بها نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو، إلى موسكو أكد فيها رغبة السودان في تعزيز هذا التنسيق بشكل أوسع خلال المرحلة المقبلة، وبناء شراكات استراتيجية تحقق مصالح شعبي البلدين، كما تخشى أمريكا من وجود قوات فاغنر في السودان. إذاً هل نشهد صراع الأجنحة بين روسيا وأمريكا في السودان في مقبل الأيام؟.
عواقب إنسانية
سبق أن حذَّرت الولايات المتحدة الأمريكية من أن انتصار روسيا في السودان يعني عواقب إنسانية وخيمة في الشمال وشرق القارة الأفريقية, وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الافريقية مولي فو، خلال جلسة أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي أن بعض الحكومات ومنها روسيا قد تحقق مكاسب تكتيكية حال انهيار الدولة السودانية ما يؤدي إلى عواقب إنسانية هائلة، فضلاً عن زعزعة الاستقرار في شمال وشرق أفريقيا.
ضبط السياسات
ووفقاً لموقع (فوكس نيوز) الأمريكي تسعى واشنطن لإعادة ضبط سياستها في الخرطوم، بحيث تكون مبنية على أساس مواجهة موسكو مع التعامل بحذر مع الاطراف السودانية، ونوَّه الموقع إلى أن السودان يمثل أكبر مشترٍ للأسلحة الروسية في القارة الأفريقية خاصة بعد أن ارتفعت مبيعات موسكو من الأسلحة بنسبة (23%)، في السنوات الخمس الأخيرة. ولعل تحذير واشنطن من التمدُّد الروسي ليس وليد اللحظة وإنما قديم، وتراقب الولايات المتحدة الأمريكية عدوتها روسيا من خلال الخوف على أمنها القومي ولا تريد ولا ترغب في وجود أي نشاط روسي في المنطقة، وبالتالي الحديث الأمريكي يصب في اتجاه صراع المصالح الاستراتيجية في المنطقة والسودان على وجه الخصوص.
المرتبة الثانية
معهد استوكهولم الدولي للأبحاث عن السلام، قال: يأتي السودان في المرتبة الثانية في قائمة الدول الأفريقية التي تشتري الأسلحة الروسية، وتتطلع روسيا جانب هذه العقود، إلى بناء قاعدة في الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر لزيادة تأثيرها في القرن الأفريقي وتوسيع حضورها في مضيق باب المندب. وتعتبر روسيا حسب المعهد أن تردّي علاقات الحكومة السودانية مع الولايات المتحدة يعزّز من حظوظها للحصول على تفويض من حكومة البلاد من أجل بناء كثير من المشاريع الاستراتيجية.
حل الأزمة
وعلى الرغم من أن موجبات جيوسياسية متعدِّدة تدفع بروسيا إلى دعم المكوِّن العسكري، إلا أن محلِّلة الشؤون الدبلوماسية مي محمد علي، قالت لـ(الصيحة): إن روسيا عمدت على دعم موقفها من خلال العقود البارزة التي وقّعتها روسيا مع الحكومة السودانية وخططها لبناء قاعدة على البحر الأحمر أهمية خاصة. علماً بأن الاتجاه كان الإبقاء على العقود الروسية الضخمة في قطاعات الدفاع والتعدين والطاقة في السودان، مع العلم بأن هذه العقود توسّعت إلى حد كبير في الأعوام الأخيرة. بالتالي روسيا ترى أن موقفها تجاه السودان ينطلق من النقطة التي ترفض مبدأ المضاد للأمريكيين بداخل السودان وضرورة ملء الفراغ الذي يتركه الأمريكيين, في مقابل أن الولايات المتحدة ترى أن مجرَّد ظهور روسيا والصين في السودان يشكِّل مهدِّداً بالنسبة للأمن القومي الأمريكي في المنطقة وبالتالي وارد كبير أن تتحوَّل الساحة في السودان إلى حلبة للصراع من أجل المصالح وتوسيع النفوذ.
قديمة متجدِّدة
يقول المحلِّل الدبلوماسي السفير الطريفي كرمنو: إن العلاقات السودانية مع روسيا والولايات المتحدة قديمة عندما قامت كلا الاثنين بتنفيذ مشاريع في السودان في الوقت كان الحزب الشيوعي في أوج مجده ولكن بعد حل الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا بعيدة عن الشأن السوداني. وما كانت لديها أهداف في البحر الأحمر مثل الأمريكيين, وحتى عندما تدخلت روسيا في سوريا كان بسبب ميناء (طرطوس), ولذلك حرصت روسيا على وجودها في المنطقة, وقال لـ(الصيحة): البشير طلب من روسيا أن تأتي للاستثمار في السودان على سبيل تخويف أمريكا في البحر, ولكن روسيا كانت غير حريصة على المنطقة, وتعتبر البحر الأحمر بحيرة أمريكية إسرائيلية, والدول التي حولها غير راغبة في وجود الروس في المنطقة, ولعل وجود العلاقات الروسية السعودية أقل بالقدر مع أمريكا. وقال كرمنو الآن روسيا مرهونة بالوضع في أوكرانيا, الذي يزعج الأمريكيين بشكل كبير وأصبح مصدر قلق لهم.
قوة للدفاع
وقال كرمنو: الأزمة الأوكرانية الآن كشفت أن الأروبيين ليس لديهم قوة للدفاع عن أراضيهم, وأكد أن حديث الأروبيين بأن نتائج الحرب وخيمة هو حديث تخويف. لجهة أن أوروبا ستكون ساحة للمعركة, إذا اندلعت الحرب لأن روسيا وحدها تشكِّل مصدر تهديد على كل دول الاتحاد الأروبي. وبالتالي الوضع في السودان مختلف, ولا يشبه الوضع في أوكرانيا لجهة إذا انهار الوضع في السودان سيتأثر بها كل أفريقيا والحكاية (تجوط).
صراع النفوذ
أحد الطلاب في جامعة اكسفورد يدعى سامويل راماني، كتب عن الصراع الروسي الأمريكي في السودان قال فيه: بعد توصُّل الحكومة السودانية والمعارضة إلى اتفاق بشأن الانتقال السياسي، تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها السياسي والاقتصادي في السودان، وقال: يُظهر الدفاع الروسي المستميت عن المجلس العسكري الانتقالي في السودان داخل مجلس الأمن الدولي، الأهمية المتزايدة التي يكتسيها الاصطفاف الروسي إلى جانب الخرطوم انطلاقاً من مصالح موسكو الاقتصادية وتطلعاتها الجيوسياسية في أفريقيا جنوب الصحراء. وعلى ضوء الأهمية المتنامية للشراكة بين موسكو والخرطوم، عمدت روسيا إلى نزع الشرعية عن المعارضة السودانية من خلال بذل سلسلة من الجهود تمثّلت في شن حملة تضليل متطوِّرة، وإرسال مجموعة من شركات التعاقد العسكرية الخاصة لتدريب الضباط العسكريين السودانيين، وإقامة شراكة مع الحلفاء الإقليميين الأقرب إلى المكوِّن العسكري. وفي المدى الطويل، تأمل روسيا بترسيخ نفوذ المجلس العسكري على العملية الانتقالية في البلاد، فيما تتملص من الاتهامات الموجّهة إليها بأنها حرَّضت المجلس على اللجوء إلى القمع.
صراع موارد
ولا يذهب المحلِّل السياسي أبوبكر آدم، بعيداً عن مرمى الاعتراف بأن الصراع الروسي الأمريكي في السودان هو صراع مصالح بحتة وقائم على المصالح. بالتالي السودان في نظر الدولتين دولة خام, في ظل وجود صراع داخلي بين النخب السياسية الحاكمة, وأزمات في كل الاتجاهات, وقال لـ(الصيحة): بالنسبة للثروة غير مستقلة والموارد بكر, ولذلك مشكلة الصراع بين الدولتين يحدِّد في من الذي يستطيع إقناع الكتلة الموجودة على سدة الحكم, أو لديه القوة لتأطير العلاقات معه, وبالتالي في حال إقناع أمريكا أو روسيا ستكون الغلبة له, ورأت أن البعض يرى أن التأثير الروسي على المكوِّن العسكري كبير, ولذلك إذا استطاع التحالف معها ستحقق من خلال ذلك الكثير من المكاسب. والعكس فإن الدور الأمريكي بدأ بدعم المبادرة الأممية وبالتالي إذا استطاعت حل الأزمة السودانية بالتأكيد فإن الحكومة التي ستأتي ستكون موالية لها. المهم في ذلك كله هو صراع وحرب باردة الآن بين الدولتين تجري على أرض السودان. وفي النهاية هو صراع مصالح من الدرجة الأولى.