الموسيقار عثمان محي الدين يكتب:
الهادي الجبل لا تقزِّمه المقارنة مع أحمد ربشة ولا تؤثر عليه المقاربة
(1)
رداً على مقال الأخ الحبيب سراج الدين مصطفى، والذي أعاد تصديره بصفحته على الفيس بوك، هذا المقال قمت بقراءته سنة ٢٠١٨م، على الإنترنت، وكان لديَّ تحفظ على بعض ما ورد فيه ولكن قبلها أجد نفسي منجذباً- على الدوام- لكتابات سراج وأن اختلفنا أحياناً بمحبة، و بأسلوبه الأنيق تطرق سراج لأكثر المشاريع الغنائية جدلاً في ساحة الغناء السوداني، حيث حمل المقال – تحت سلسلة ريموت كنترول- اسم (أحمد ربشة يسرق طريقة الهادي الجبل). وتحدث بجمال منقطع النظير عن مشروع مصطفى سيد أحمد الغنائي مفنداً وموضحاً بعض الظلم الذي وقع عليه والذي كان دافعاً له ليصل إلى ما وصل إليه.
(2)
ومقالي هنا يختص بالجزئية الخاصة بالفنانيَّن أحمد ربشة والهادي حامد لهم الانحناءة لجميل ما قدموه من إبداع غنائي مؤثر، ولنتفق أولاً على أننا نفتقد للتوثيق المبنى على المعلومة الدقيقة الموثقة إذا كان ذلك على حاملات الصورة (تسجيلات تلفزيونية-فيديوهات – فتوغراف أو خلافه) أو الصوت (لقاءات إذاعية – تسجيلات خاصة أو خلافه) أو المكتوبة (صحف – شهادات معتمدة-مخطوطات أو خلافه) نسبة لندرة هذه المواد أو لتلفها المقصود وغير المقصود، ولقلة وندرة الإمكانيات التوثيقية.
(3)
ثانياً وبالعودة إلى أصل البوست فإن المقال يتحدث عن الظلم الذي يقع على الفنانين وتناول مصطفى سيد أحمد ومشروعه الغنائي كنموذج أول وأحمد ربشة والهادي الجبل كنموذج ثاني والذي تحدث فيه عمن هو صاحب الأسلوب الأدائي، وخلص إلى حكم يؤكد أن الأول قام بسرقة أسلوب الثاني واستند في حكمه على أسانيد اعتمدت على مصادر (شفاهية) منها من عاصر وزامل أحمد ربشة ومن الهادي الجبل نفسه ولعمري أنه حكم قاسٍ وملزم يقود القارئ لتبنيه بلا تردد، فمعظم السودانيين لا يعلمون عن ربشة (عُشر) مايعرفونه عن الهادي الجبل .
(4)
ثالثاً لنقم بتسليط الضوء على أحمد ربشة من خلال إيفاد بعض المعلومات (الإضافية) عنه قبل حضوره للسودان بعد حصوله على منحة دراسية من معهد الموسيقى والمسرح، إذ يقول أحمد ربشة في لقاء له في الصحافة الصومالية (إنه بدأ الغناء مذ كان في الـ١٣ من العمر في المهرجانات وحفلات الزفاف قبل أن تتاح له فرصة المشاركة مع الفنان الشهير عبد الكريم فرح سنة ١٩٦٣م) وذلك في الرابط أدناه. https://www.safariphone.net/index.php?productID=1068))
(5)
عندما تستمع إلى غناء أحمد ربشة منذ ذلك الزمان تجد أن أصوله العربية والأفريقية – الصومالية- إضافة إلى تنقله بين عدد من الدول وإتقانه لعدة لغات وتغنيه بعدة أنماط موسيقية مع إجادته عزف العديد من الآلات كالجيتار، العود، الساكسفون، الدرامز بمهارة عالية جدًا،هذه جميعها كوّنوا تراكماً معرفياً ثقافياً متعدداً جعله مميزاً في أدائه ومتمكناً.
(6)
أحمد ربشة غنى لمحمد الأمين وأحمد المصطفى و الكابلي أغنيات باللغة العربية الفصحى سنة ١٩٦٣م، وهذا موثق – بلسانه- في إحدى لقاءاته الإذاعية، إذاً ولكل ماسبق فأن أحمد ربشة المولود سنة ١٩٤٣م، تقريباً – على أساس أنه حينما تم قبوله بمعهد الموسيقى كان في الحادية والثلاثين من العمر وذلك سنة ١٩٧٤- كان قد بدأ الغناء سنة بعد ١٣ سنة، من ميلاده أي سنة ١٩٥٦ وبمهارته المذكورة أعلاه كان أقرب لتقليد أحمد المصطفى أو محمد الأمين أو الكابلي، بحكم أن ذاكرته التراكمية الغنائية مشحونة سودانياً بأعمال هؤلاء الفنانين، حيث أنه اختار أن يغني الأغنيات التي كتبت باللغة العربية الفصحى مثل: (وطن النجوم) و( شذى زهر) لصعوبة اللهجة السودانية عليه وقتها. ويأتي إلى الخاطر السؤال التالي: (من الأقدم غنائياً، الهادي أم ربشة ؟)، ويقيني أن المعيار أعلاه الذي يختص بالأقدمية غير ملزم كون الشخص الأقدم هو الأفضل- ولكن لأن المقال المذكور – كما أسلفت- قد بُني على حكم قاطع كون أن الأول (قد سرق) الأسلوب الأدائي للأخير، علماً بأن سيرة الأول وتنوع تجاربه بالأدلة أعلاه تؤهله ليكون هو الأقرب لتبعية الأسلوب له بمعايير التنوع السماعي بتعدد الأنماط الغنائية (شرقي، غربي، سوداني، صومالي) و المهارةالعزفية .
(7)
يقول الحبيب الهادي الجبل إنه أجاز صوته بالإذاعة سنة ١٩٧٣م، وبعدها سافر إلى ليبيا، وفي ظني أن الكثير من المعلومات التوثيقية عن الفنان الهادي الجبل في تلك المرحلة غير متوفرة أو موثقة على عكس أحمد ربشة..مثل متى كانت بداية احترافه الغناء، وماهي مراحل تطور مشروعه الغنائي خصوصاً بعد هجرته إلى ليبيا، وكم من الأعمال تم تقديمها؟ عليه فإن أصل المقال يحكي عن الظلم والمظالم فقد تحرك قلمي مسوداً الصفحات بهذا الرد (كي لا ننه عن خلق ونأت بمثله) وعليه يبقى مشروع الهادي الجبل الغنائي هو الحلقة الأضعف، إذا ما قورن بمشروع ربشة الغنائي استنادا على ماتم ذكره وهذا ما يعود بنا إلى المربع الأول فيما يتعلق بالتوثيق .
(8)
غير أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن الهادي الجبل مدرسة غنائية شاهقة متفردة، لها لونها وطعمها ونهجها الذي مشى عليه الكثير من الشباب. ومشروع الهادي الجبل الإبداعي لون له خاصيته في لوحة الموسيقى السودانية يشكل حضوراً سرمدياً- كثر أم قل- لا يستطيع كائن من كان أن يغيبه أو يلغيه وبالمقابل فإنه (لاتقزِّمه المقارنة ولا تؤثر عليه المقاربة)، إضافة إلى أننا لو جئنا إلى المقارنة فسنجد أن هنالك اختلافات كثيرة في غنائيتهم الاثنين اعتماداً على المعايير الأكاديمية في التحليل ومقاربة قليله في ملمح الصوت.
(9)
على المستوى الشخصي فإنني قد عزفت مع الأخ الفنان الهادي الجبل لسنوات عقب عودته من المهجر واتحدث هنا عن معرفة وود واحترام كبير يربطني به وأنا له من المحبين، وكذلك جمعتني الأيام بالراحل أحمد ربشة بمدينة لندن نهايات العام ٢٠٠٢ (قبل شهور من وفاته)، حيث شاركت بالعزف معه في حفل زواج للجالية الصومالية بفندق هيلتون بإدجوارد روود وجلسنا وتحدثنا مطولاً عن أحمد ربشة وارتباطه بالسودان، ولذلك فإن حديثي يأتي من منطلق رفضي البائن لتبني الأحكام جزافاً وتعاطفاً دونما الاستناد على الأدلة القاطعة.
وختاماً.. إن أصبت فمن الله وأن أخطأت فمن نفسي.. ولكم الود جميعاً