مني ابوزيد تكتب: المَصير الذي حاقَ بالجَواز..!
هناك فرق
مني ابوزيد تكتب:
المَصير الذي حاقَ بالجَواز..!
“لا أعارض أن أقول نكتة، لكنني أعارض أن أكون واحدة”.. مارلين مونرو..!
صحف الخرطوم التي تنشر المِحَن قالت إن محكمة سودانية قد أدانت ضابط مخابرات تشادي يعمل أستاذاً بجامعة أفريقيا بجريمة التملك الجنائي، وإن السلطات السودانية كانت قد قررت إبعاده عن البلاد قبل أن يتم الإفراج عنه عقب وساطة، ليقوم مرة أخرى باستخراج رقم وطني سوداني من إحدى الولايات الحدودية، ليتم القبض عليه بعدها بتهمة التزوير والإفراج عنه دون محاكمة. إن كان هذا الخبر يستوجب سؤالاً على غرار لماذا يحدث مثل هذا في بلادنا، فإن بعض الإجابة قد تكون مضمنة في المقال التالي – الذي كتبه قبل سنوات – عن بعض أسباب هواننا على الناس، وعن بعض ظروف وملابسات المصير الذي حاق بجوازنا السوداني..!
هَل رَأيتَ مُتسوِّلاً في أيِّ مكانٍ يُخاطب صاحب الحَسَنة بنبرة استعلاء؟. هل رأيت مُتصدِّقاً – في أيِّ مكانٍ – يكاد أن يشكر مُتسوِّلاً على تفضُّله بقبول صدقة؟. قبل أن تسارع إلى الإجابة بالنفي أنصحك – من باب التسلية على الأقل – أن تتذكر سلوك معظم ذوي البشرة البيضاء من المتسولين الأجانب الذين كانوا يقفون أمام إشارات المرور في بعض شوارع الخرطوم. وأن تتذكر أيضاً لغات الأجساد التي كانت تصدر عن بعض مواطنيك في تلك اللحظات. وأرجو أن تصدقني إذا ما قلت لك إنك سوف تستدعي عبر خلايا مخك الرمادية مشاهد بعض المتسولين البيض وهم يتصدقون على بعض المواطنين السود والملونين بمنحهم – إياهم – شرف التسول في بلادهم..!
احتاج الآن إجابتك المُقنعة على السؤال الأكثر إلحاحاً، كيف “يتبخّر” ذلك الحنان، وإلى أين “تطير” رقة الحاشية تلك في مشاهد تسوُّل أخرى مُشابهة، في نفس الشوارع، وأمام ذات الإشارات؟. مشاهد بألوان غامقة وسيناريوهات مُختلفة، يكون السّائقون فيها هُم ذات السّائقين، ويكون الراجلون فيها هُم ذات الرّاجلين، ويكون التسوُّل فيها هو ذات التسوُّل. هل يبدأ التبخر – في تقديرك – لأنّ المُتحرِّك الوحيد في تلك الثوابت – ببساطة – هو اختلاف ألوان وسحنات بعض المُتسوِّلين المُشاركين في لعبة الكراسي..؟!
هل يحدث الطيران – برأيك – لأنّ السائل أو السائلة “في هذه الحال” يكون من أعماق أو أطراف هذا السودان، أو لأنّه يكون في بعض الأحيان من جنوب أو غرب أفريقيا مثلاً؟. هل يتبخّر الاهتمام لأنّ المُتسوِّل في مثل هذه الأحوال يتحدث بالمذلة التي تُليق بقبح السؤال، أم لأنّه يلح ويلح بمُنتهى الانكسار الذي يجيده أي شحاذ وطني – أو إقليمي – محترم..؟!
ثم ماذا عن المسؤول، أي المُستهدف بإخراج الصدقة في كلا المشهدين؟. ما الذي يدفع الكثيرين منا إلى إقحام الشعور بالدونية تجاه اللون الأفتح – حيناً – أو تغليب النزعة العُنصرية تجاه اللون الأغمق – أحياناً – حتى كاد المثل الفصيح القائل إن “زُمّار الحي لا يطربه” أن يخرج المُتسوِّل الأجنبي التقليدي – في هذا السودان – من زمرة أسبابه. وحتى كاد المثل العامي القائل إن “الجنس للجنس رحمة” أن يطرد بعض أشكال الإحسان – فيه – من جملة مقاصده. وقديماً قيل إنَّ “شَرَّ البليَّةِ ما يُضْحِك”؟. مجرد سؤال..!
بقي أن تعلم أنّ مُعظم هؤلاء المُتسوِّلين الوافدين المدللين الذين اختفوا من شوارع الخرطوم – اليوم – قد حصلوا على جوازات سودانية مُقابل بضعة آلاف من الدولارات. وإن بعضهم قد غادر البلاد، مُتسلِّحاً بجوازنا السوداني، باحثاً عن الأفضل كما يراه. وإن البعض الآخر قد بقي في السودان إما والغاً في جريمة ما، وإما صاحباً لمشروعٍ تجاري. وإن دعا الداعي – أي داعٍ – أشهر بعضهم جوازه السوداني في وجهك، ولسان حاله يقول إن البقاء للأقوى..!