مفارقات
شاكر رابح
المرجعية الدستورية للفترة الانتقالية
الوثيقة الدستورية واحدة من أهم مفردات الفترة الانتقالية، كما أنها تمثل الركيزة الرئيسة لبناء الدولة السودانية الحديثة التي تستند لمرجعية دستورية وقانونية تحدِّد المؤسسات ومحتوياتها وصلاحياتها وعلاقتها بعضها ببعض وهذه المؤسسات تخضع لرقابة المواطنين وتضبط بواسطة الدستور.
في عجالة أحاول أسلَّط الضوء على مسألة غاية في الأهمية “كيف نحقق المرجعية الدستورية والقانونية” للفترة الانتقالية؟ صحيح هو موضوع معقَّد ومتشابك وفي نفس الوقت مهم للاستقرار القانوني والتنظيمي والإداري للمؤسسات، يحدوني الأمل في أن يكون حديثنا عن تعديل وأحكام “الدستور” والبنود الواجب توافرها من أهم أولويات الحوار السوداني السوداني الذي “تسهِّله” الآلية الثلاثية، الحوار السوداني السوداني المباشر لا غنى عنه وينبغي أن يراجع التجربة الدستورية منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا والوقوف على تجارب غيرنا والدول من حولنا والإحاطة من كل النواحي المرتبطة بالشأن الدستوري.
المتابع للمسرح الداخلي السوداني عقب ثورة ديسمبر المجيدة، يجد أن انهيار الحكومات والهمجية السياسية التي يعيشها الوطن نتاج إلغاء دستور 2005م، والذي ترك بصمات أثرت في مسار التحوُّل الديموقراطي إلغائه أدى إلى غياب المرجعية الدستورية للحكومة فكان الفساد والاستبداد والانفراد بالحكم والقرار والانحراف عن شعارات الثورة ما حدا بالقانونيين والمهتمين باختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية تقديرهم لأهمية الدستور وهناك عدد من الآراء ترى ضرورة صياغة مسودة دستورية يشارك فيها الشعب السوداني كله عبر منظماته وأحزابه وكياناته السياسية قبل استئناف الحوار الذي جمَّدته الآلية الثلاثية لسبب غياب مجموعات ترى الآلية وجودها مهم ويضفي شرعية للحوار ومخرجاته، اختلفنا أم اتفقنا مع هذا الرأي أعتقد صياغة مسودة الدستور يجب أن لا تكون مقصورة على القانونيين وحملة المؤهلات العلمية القانونية العليا إنما يجب أن يشارك الجميع كما أسلفت.
أهمية الدستور في الفترة الانتقالية يؤكد إلى أي مدى فهم الساسة حكام ومحكومين ووعيهم العميق بالدستور هناك أحزاب ومنها حزب الأمة القومي طرح أفكاراً منها: “العقد الاجتماعي” وهناك خلط كبير جداً بين العقد الاجتماعي والدستور مع وجود أوجه شبه بينها، قديماً العقد الاجتماعي يربط النسيج الاجتماعي لأمة نشأت في رقعة جغرافية واحدة ويمكن أن يكون مكتوباً أو عرفياً وتقره الاعتبارات الجغرافية والدينية والعرقية والسياسية والمصالح المشتركة، وهنا تجد القانونيين يعتبرون أن “العقد الاجتماعي الأداة التي التزم أفراد المجتمع بمقتضاها بالرابطة المشتركة وانتظموا فيها”، أما الدستور فيذهب فقهاء القانون الدستوري إلى أن دستور الدولة “يمثل الإطار العام لكل من شرعيتها ومشروعيتها فهو الأداء التي تبيِّن شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتحدِّد السلطات وكيفية تكوينها واختصاصها والعلاقة فيما بينها كما تبيِّن الحقوق والواجبات”.
خلاصة القول إن الدستور اسمى من كل القوانين وأساس للسيادة والاحتكام له يحول دون فساد واستبداد الحكام وهو يضمن ويرعى حقوق المواطنين في الحرية والانتماء السياسي بالتالي بالضرورة الاحتكام للدستور وهذا يتطلَّب جهداً كبيراً من ألوان الطيف السياسي كافة وترك المصالح الحزبية الضيقة الاحتكام للدستور استحقاق عام لا إقصاء فيه ولا انفراد بالسلطة أو القرار.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل