ما تمّ في العاصمة التشادية انجمينا من لقاءات بين نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو، مع حركتي تحرير السودان – مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، بوساطة من الرئيس إدريس دبي، خطوة جبّارة نحو نهاية ستكون خيراً على البلاد وأهلها، ومنذ اليوم الأول للتغيير الذي حدث في البلاد، جرت العديد من الاتصالات الخاصة بين قادة الحركات المسلحة، وأطراف في المجلس العسكري بُغية البحث عن سبيل لإتمام السلام في البلاد، وأبدت الحركات رغبتها الكاملة في إسكات أصوات البنادق وتحقيق تطلُّعات الشعب السوداني في الأمن والاستقرار والسلام.
ولعب الرئيس التشادي إدريس دبي دوره الذي ظلَّ يقوم به دائماً في تشجيع كل أطراف النزاع في دارفور للالتقاء مع الحكومة في الخرطوم، ووصلاً لدوره السابق شرع بعد إبلاغ الخرطوم وتواصُله معها في الاتصال بقيادات حركتي مناوي والعدل والمساواة للانخراط في عملية تفاوضية تُفضي إلى السلام الشامل والعادل، وتم تمهيد الطريق لهذا الهدف، فخلال زيارة الفريق أول عبد الفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي لانجمينا مؤخّراً، كانت قضية دارفور حاضرة، وكان مني أركو مناوي في تلك اللحظة يهبط مطار العاصمة التشادية، وسبق لمني أن أجرى اتصالات مُتعدّدة مع الفريق أول حميدتي نائب رئيس المجلس، الذي تسلّم مهامه كرئيس للجنة العليا للسلام، وكبادِرة طيّبة، أُعلِن هنا في الخرطوم عن إطلاق سراح أسرى ومحكومي الحركات المسلحة، وهو قرار وجد ترحيباً كبيراً من الحركات، وجرت تحرّكات مُكثّفة بين الخرطوم وانجمينا، وتم ترتيب اللقاء، وذهب الفريق أول محمد حمدان في زيارته أمس الأول، وتحت رعاية الرئيس دبي جرى اللقاء مع مناوي، ومُمّثّليْ حركة العدل والمساواة أحمد تقد لسان والطاهر آدم الفكي.
ما خرجت به لقاءات انجمينا وفق البيان الصادر عقب اللقاء، يؤكد أن السلام في دارفور سيتحقّق وستخمد نار الحرب، وستعود دارفور كما كانت، وسيُودِّع السودان الماضي الكئيب بحروبه واقتتالاته، وتحتاج هذه اللقاءات والمجهودات الجبّارة إلى سندٍ حقيقيٍّ سياسي وشعبي، حتى يتم توقيع اتفاقيات سلام نهائية، ولن يتم ذلك إلا بإرادة سياسية قوية من كل الأطراف وإبعاد كل الأجندات التي كانت تتسبّب في إطالة أمد الحرب، والإقبال على عملية التفاوُض بدون عُقَد الماضي، وعدم الالتفات للأصوات والقوى المحلية والإقليمية والدولية التي تضع العراقيل أمام العملية السلميّة في بلادنا.
هناك أكثر من عامِل يجعل من نجاح هذا التحرّك نجاحاً وشيكاً وفرصة واسعة، فأولاً، لم تعُد قضية دارفور واستمرار الحرب تشغل بال أحد، فالجميع يبحث عن السلام، وثانياً، من السهل على القيادات التي قادت القتال من الطرفين أن تصل إلى سلام، فهي التي تعرف قيمة السلام وذاقت أهوال الحرب وعرفتها، وتدرك أهمية وضرورات وقف القتال أكثر من غيرها، فبناء الثقة بين هذه القيادات أسرع وأقوى من بناء الثقة بين المُتقاتِلين والساسة المحترفين، فالثقةُ التي توجَد بين نائب رئيس المجلس العسكري، وقيادات الحركات تبدو ثقة كبيرة ومتينة، تجعل من السلام قريباً وفي مُتناول اليد..
هناك قضايا لا يُمكن الرجوع إليها مرة أخرى في ملف المفاوضات، فالحركات هي جزء من الحركة السياسية بوجودها في قوى إعلان الحرية ومجموعة نداء السودان، فأمر مشاركتها في الفترة الانتقالية أمر لا خلاف حوله ولا يشكل معضلةً كبيرةً، كما أنها ستتّجِه مباشرة بعد الفترة الانتقالية إلى صناديق الاقتراع والدخول في الانتخابات، فالأمور السياسية المتعلقة بقضية دارفور وتخلّفها التنموي ومشاركتها السياسية وتهميشها لم تعُد قضية مطروحة الآن، باعتبار أن النظام السابق الذي كان يحتكر السلطة والثروة قد زال وذهب، وعلى أهل دارفور جميعاً وهم مُوزّعون في الأحزاب والمجموعات السياسية، أن يعملوا من أجل رفع الظلم عن أنفسهم، تتبقى لديّ قضية واحدة ذات طبيعة فنية هي الترتيبات العسكرية الأمنية، وهي أمر ما أسهل التفاهُم فيه مع المجلس العسكري.