الخرطوم: عوضية سليمان
شدَّد السودان على أن الوقت الحالي هو المناسب للبلدان الثلاثة: السودان، إثيوبيا ومصر، لتوقيع صفقة طويلة الأجل حول كيفية مشاركة مياه النيل مع اقتراب تاريخ الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي نهاية يونيو الجاري، إلا أن هنالك مخاوف من أن يؤدي الملء الثالث لسد النهضة إلى انفجار سدود السودان على النيل الأزرق، وحسب تقرير وزارة الري السودانية فإن هنالك مخاوف بشأن عدم وجود احتياطات السلامة، وفي ذات الوقت طالبت فيه الخرطوم بتبادل عاجل للمعلومات حول كيفية تعامل الدول مع حالات الطوارئ التي يمكن أن تنشأ أثناء عمليات الملء بما في ذلك الانفجار المحتمل للسدود الصغرى بمجرِّد إطلاق المياه.
كما أن الخرطوم مازالت تعتقد أن عملية التفاوض التي يقودها الاتحاد الأفريقي يمكن أن تصل إلى أهدافها من خلال دعم البلدان الثلاثة لتوقيع اتفاق ودود عبر تغيير طريقة المحادثات.
مخاطر سياسية ومائية
وأشار خبراء إلى أن كل ملء جديد لسد النهضة من قبل أثيوبيا يعقِّد الأمور ويزيد من حالة الاحتقان بين الدول، وذكروا أن المخاطر تنقسم إلى نوعين: مخاطر سياسية وأخرى مائية.
أجندة ضرورية
بدوره قال خبير الخزانات الدكتور عثمان التوم، لـ(الصيحة): إن الملء الثالث بالنسبة للسودان مشكلة كبيرة لعدم وجود جدولة يومية لمعرفة سير المياه في السد وكميتها بغرض التعامل معها والتخطيط والتحسُّب لها، موضحاً على هذا الأساس الأثيوبيون كان عليهم تقديم جداول للسودان، وأن يكون هنالك نقاش عبر فنيين سودانيين مع أثيوبيين للوصول إلى برنامج محدَّد، وأضاف قائلاً: هذه أجندة ضرورية للسودان من أجل أن يكون هنالك نظام معروف لكل خزانات السودان ومشاريعه ابتداءً من خزان الروصيرص وكل المشاريع الزراعية مثل: الجزيرة، المناقل وإلى مروي، وأضاف: كل هذه المشروعات تحتاج إلى هذه المعلومة من أجل العمل، وفي غياب هذه المعلومة فإن خبراء الري سيعملون على أسوأ الفروض، منوِّهاً بأنه لابد من وجود احتياطي للمياه في خزان الروصيرص لأجل أن تستغل للإمداد المائي لخزان الروصيرص أو مروي، ونكون قد أكدنا على استمرار التوليد الكهربائي، خاصة من خزان مروي، لذلك لابد من الوصول إلى اتفاق مع الأثيوبيين.
تكرير الطلب
يرى خبير السدود المهندس أبو بكر محمد مصطفى، خلال حديثه لـ(الصيحة)، أن الحديث واضح جداً حول السد، وأن السودان يرتبط وفق المبادئ الموقعة في مارس 2015م، أن يتم الاتفاق على ملء وتشغيل سد النهضة وتمسُّكه بإعلان المبادئ، مؤكداً أن ذلك يتطلَّب الاتفاق قبل أن يتم الشروع في أي عملية من عمليات الملء، وقال: بالتالي إن عمليات الملء التي تتم لا تدل على التوافق، والسودان يطلب من أثيوبيا أن يتم التوصل إلى اتفاق قبل الشروع في ملء السد والتشغيل، وكشف على تحفظات كثيرة تواجه الملء الثالث والرابع، ولابد أن يتم التنسيق الفني بين الدولتين في هذا التوقيت ومعرفة مقدار الكمية، وقال: إن سد النهضة سعته (5) مليارات متر مكعب، وسوف يتأثر السودان، لذلك لابد من توافق حول سير الأعمال، واستبعد الخبير بأن يكون موقف السودان مبني على استشعاره بالخطر إنما لمعرفة وقت حجز المياه حتى لا يتأثر كما حدث قبل ذلك في عام 2020م، حينما جاء الملء فجأة لدرجة عدم المقدرة على سحب المياه بواسطة الطلمبات، ونوَّه بأن الاتفاق الآن قد يجنبنا الأضرار في الموسم الفيضي من انخفاض المناسيب وعدم توفر مياه الشرب والتوليد المائي، لذلك لابد من التنسيق الكامل من ناحية السودان، وأضاف قائلاً: إن التنسيق لا يتم عبر كلام الصحف إنما عبر اتفاقيات فنية وبرامج تشغيلية واضحة، لذلك السودان يكرِّر الطلب في كل عام ليس في الملء الثالث فقط، بل السودان معني بإدارة وتشغيل وملء مواعين السد، وفقاً للمتطلبات الفنية التي يجب أن يتم الاتفاق حولها بين الدولتين.
نتائج كارثية
المرحلة الثالثة لملء سد النهضة هي المرحلة الأخطر من بين المَلئين السابقين وإذا قامت أثيوبيا بالملء الثالث دون اتفاق ستكون أثيوبيا امتلكت الضغط على الخرطوم وهي مرحلة خطرة تختلف عن الأولى والثانية، هذا ما ابتدر به السفير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة لـ(الصيحة) وقال: إن تمسُّك السودان بالاتفاق قبل الملء هو نفس موقف السودان مع مصر الذي أثير كثيراً عدة مرات، ولكن الأثيوبيون لم يلتزموا بذلك ورفضوا وهذا ليس شيئاً جديداً، إنما موقف قديم للسودان من الاتفاقية وتحديد الملء وكم عدد الملء وتفاصيله؟ وأردف: لكن أثيوبيا رافضة السماع وتقرَّر لحالها وهذا فيه تأثير للدول التي يجري فيها النيل لتجهيز نفسها من الفيضانات وهذه هي الاتفاقية التي وافق عليها السودان الآن ليضمن سلامة الملء الثالث، وكشف أن أثيوبيا لها حد معيَّن (76) ملياراً، من حد المياه لملء السد، لكن السودان أصرَّ على الجلوس مع أثيوبيا لمعرفة كيف تتم عملية الملء وتحديد الكمية تخوُّفاً من نتائج كارثية، وأضاف أبو شامة: إن طلب السودان بتوقيع صفقة طويلة الأجل تعد أول خطوة قوية تتخذ من قبل السودان ومصر طالما أثيوبيا مصرِّة على المواصلة في خطها الآحادي لملء السد، مشيراً إلى أن من الطبيعي أن تلجأ الأطراف الأخرى لوسيلة لإيقافها، مبيِّناً أن الخطوة التي وافق عليها السودان تعتبر خطوة ستجعل مجلس الأمن الدولي يتدخَّل لإلزام أثيوبيا بالعودة لطاولة التفاوض دون مطالبة من مصر أو السودان، كما في المرات السابقة، حيث وصلت أثيوبيا إلى مرحلة الملء الثالث رغم الرجاءات التي تقدَّم بها مجلس الأمن وأمريكا بأن تخضع للتفاوض، لكنها مضت في تنفيذ ماتريده وهذا يدل على ضعف السودان ومصر في تفاوضهما مع أثيوبيا على عملية الملء الأولى والثانية، وبالتالي لابد من موقف قوي من قِبَل مصر والسودان.