لأجل الوطن
الغالي شقيفات
إهمال غابات السودان
يشهد القطاع الغابي والنباتي في السودان تدهوراً مُريعاً وإهمالاً حكومياً واضحاً وغياباً تاماً لهيئة الغابات، وتتعرّض الأشجار الكبيرة والتاريخية المعمرة الى القطع الجائر الذي ساهم بصورة كبيرة في الزحف الصحراوي والتدهور البيئي وارتفاع درجات الحرارة في البلاد.
ووفقاً لما ورد في منشور الغابات، فإنّ مصلحة الغابات تأسّست في عام 1902 وصيغت أوّل سياسة غابات في عام 1932، ليستمرّ العمل بها حتى عام 1986. وكان تأكيداً على ضرورة تسهيل إجراءات حماية ما لا يقل عن 20 في المائة من مساحة السودان كمحميات، لكنّ واقع الحال يقول إنّ الغابات التي كانت تغطي 34 في المائة من مساحة البلاد تقلّصت إلى 18 في المائة في عام 1992، ومنذ ذلك الحين بدأ التناقُص لأسبابٍ عدّةٍ، منها الطبيعية ومنها ما جاء نتيجة النزوح البيئي الكبير والحروب وحاجة النازحين إلى الوقود وبناء المساكن، إلى جانب ضعف كبير في قدرة السُّلطات على حماية الغابات.
يُذكر أنّ ثمّة غابات أُبيدت كلياً من قِبل بعض الجهات الرسمية إمّا للإتجار (بيعها كوقود أو مواد أولية لصناعة الأثاثات) أو للتوسُّع في مشاريع زراعية، ويقال إنّ للسودان فقط مائة مليون فدان من الغابات بانفصال الجنوب. وكنت في العام 1997 سافرت الى مدينة الدمازين ومنطقة عقدي، حيث كمائن الفحم وإعدام الأشجار، وبعض منسوبي القوات النظامية يعملون في تجارة الفحم، ويجب عليهم منع منسوبيهم من ممارسة مثل هذه التجارة التي تدمر القطاع النباتي والغابات، وعلى الدولة أن تُوفِّر البديل للفحم ومواد البناء وتفرض قوانين صارمة لقطع الأشجار كما كان في عهد الإنجليز وحكومة النميري.
وكنت في شهر رمضان الماضي مع الأستاذ الهادي بحر الدين علي دينار رئيس مجلس إدارة شركة قرين كير الأمريكية في دارهم العامرة، وهو معلمٌ من الرعيل الأول قبل أن يُغادر دائرة التدريس المنهار في دارفور، ورجلٌ مُلمٌ بتاريخ دارفور بثقافة عالية لا تمل الحديث معه مُطلقاً، فسرد لنا الرجل تاريخ الغابات في شمال دارفور وما حول الفاشر، خاصةً غابة كرل وهي الآن أصبحت سوقاً ودكاكين، وغابة عبد المجيد الآن أصبحت مزارع وتم قطع أشجارها وحفر حتى جذورها فيما يُعرف محلياً بأم بحتي، وغابة سلك وهي الآن أصبحت مُخطّطاً سكنياً يُسمى الربوة خلف جامعة الفاشر، وغابة سلك وفقاً للأستاذ الهادي دينار تمّت زراعتها من أشجار الهشاب لكي تصبح بعد خمسة وعشرين عاماً غابة مُنتجة. وإن السلطات الحكومية وإدارة الغابات كانتا تفرضان قوانين صارمة جداً إذا قُطعت شجرة تزرع مكانها عشر، وكل هذا المجهود الكبير الذي تمّت المُحافظة عليه عشرات السنين تم نسفه في أقل من شهر عقب النزوح وهُو أَمرٌ مُؤسفٌ للغاية وأصبح قطع الأشجار ثقافة، ودُونكم قطع أشجار الظل في محيط اليوناميد وهي أشجار مستوردة وظليلة وخُضرة، قطعوها من أجل مكاسب شخصية “عيدان حوش أو راكوبة”، خاصّةً أنّ ثقافة الأنانية وحُب الذات التي أصابت المجتمع والإهمال الحكومي وعجز الولاة في حماية الأشجار.
وكان أبناء محلية عِد الفرسان نظّموا وقفات احتجاجية ضد القطع الجائر للغابات، وتحدّث يومها عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي عن ضرورة وقف القطع الجائر، وسن قوانين تجرم القطع، إلا أن شيئاً لم يحدث، لأن الأمر ليس من اهتمامات السلطات.
وفي نيرتتي، تم قطع أشجار مُعمّرة من التيك والمهوقني ولا أحدٌ يُحاسب أحداً، وللأشجار قُدرةٌ على إبطاء تغيُّر المناخ من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون المُنطلق من احتراق الوقود الأحفوري من خلال عملية التمثيل الضوئي، وفي الوقت نفسه يتسبّب قطع أشجار الغابات وتدهورها وتغيير استخدامات الأراضي في نحو 12% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.