محمد طلب يكتب: شفتوا الشيف فيفي والشوفان؟؟؟

جعلتني ظروف قطع الانترنت أجلس أمام التلفاز هذا الصباح… وكالعادة عندما أجلس للتلفاز لغير الأخبار أطلب منهم التحول إلى أي قناة سودانية فاختاروا لي (S24) مع توقيت برنامج يختص بـ(المطبخ) تقدّمه بابتسامة ساحرة الشيف (فيفي) استوقفني اسم مقدمة البرنامج الذي وجدته على الشريط أسفل الشاشة ولكني تجاوزته وشغلني عنه موضوع البرنامج وهو صناعة وجبات ومشروبات من (الشوفان) ثم صناعة (ماسك) مما تبقى من المكونات يعني برنامج (تجميل برضو).

فسألت نفسي عدة أسئلة.. أولها قطعاً ما هو الشوفان؟ وأكاد أجزم أن معظم الشعب (السوداني الفَضَل) لا يعرف الشوفان (انتو قائلين السودان دا ياهو وسط الخرطوم) وأحياء المغتربين في الطائف والرياض والمعمورة، هؤلاء ربما يعرفون الشوفان، لكن معظم أهلنا في أطراف العاصمة لا يعرفون المطبخ أو (المتبخ) لأنهم ما زالوا يعوسون ويطبخون في (التُكُل) أما شكل المطبخ الذي رأيته في البرنامج بعيد كل البعد عن (90) بالمئة من أهل السودان وبالتالي الشوفان وكل الوجبات والمشروب وحتى (الماسك ذااتو) لا علاقة له بهذا الشعب الغلبان الذي يكابد لقمة عياله (بالجلالة)… وربما يختلط عليهم (الشوفان والشفون).

الوجبات التي تمّت صناعتها في البرنامج هي بيتزا الشوفان، آيسكريم الشوفان، بسكويت الشوفان على شكل حبات القهوة، مشروب الشوفان بالتفاح وأخيراً ماسك الشوفان أو بمعنى آخر (لخوخة الشوفان) أو (عَروكة الشوفان)… عموماً كانت مكونات هذه الوجبات مع (لخوختها والعَروكة) تتجاوز قيمة الراتب الشهري لموظف (اسكيل H) بكثير إن كانت هذه (الاسكيلات) ما زالت موجودة وما زالت الخدمة المدنية على ما كانت عليه في ترقياتها وعلاواتها وكفاية رواتبها ومعاشاتها (لدفتر الجرورة) وملابس العيد.

فقد كان والدي موظفاً وأعلم أنها كانت تكفينا تماماً قبل كارثة (الإنقاذ) وحذف الأصفار وظهور (الدينار) بعد موت الجنيه ثم القديم والجديد وهلم جرا وعييييك.

ما أود الإشارة إليه هنا أن هذا البرنامج وأمثاله خالٍ من الإبداع ولا يمت للواقع بصلة.. فالإبداع في هذا المجال هو محاولات خلق وجبات ذات قيمة عالية بأقل تكاليف في الظروف الراهنة، الإبداع هو الخروج عن (المِلحات والتبايخ) إلى ما هو أقل تكلفة.. الإبداع هو أن تخرج البامية والقرع والبطاطس والكوسة والملوخية من التقليدية و(الحَلة المسبكة) إلى آفاق أرحب وأن تمتنع (الرجلة) عن (الحش) وتخرج لنا كاملة كما لم نراها من قبل و(نأكلها قروض) أليست هي ذات الحديد!!!… الإبداع هو كسر قاعدة (الحَلَة بَصَلة) مع غلاء البصل الفاحش.

في بيت العزابة بدولة الإمارات تحديتهم في عمل (حَلة كاربة) من غير بصل وقد كان وأبدعت في إخراج صحن (فتة عدس كارب) مع السلطة الخضراء والشطة الحمراء ذات الليمون الأصفر كاسراً القاعدة الذهبية (الحَلة بَصلة) وأصبح العدس دون بصل مفضلاً للجميع في (بيتنا) حتى يومنا هذا وغيره من (مكشن بلا بصلة)…

لا أدري لماذا تصر مقدِّمة البرنامج على تقديم أطباق الشوفان التي لا تمت لنا بصلة إطلاقاً….. عند مروري على كتاب الطب النبوي قبل سنوات عديدة عرفت أن غذاء ودواء الشعوب يكون مما تجود بهم أرضهم ومناخهم لأن ذلك هو الأنسب لهم والله أعلم… مع العلم أننا شعب الذرة (العيش) وعرفت بعد اغترابي أن الشعوب تسمى الغذاء الرئيسي لها (العيش) فهو عند أهل الخليج (الأرز) وعند آخرين (القمح).

هناك سبب واحد فقط يجعلنا نغفر للسيدة (فيفي) ما ورد ببرنامجها التلفزيوني وهو إن كانت تقصد تحويلنا من الذرة والقمح إلى (الشوفان) وذلك لأنه رخيص الثمن ومفيد (عند أهله)، أريد هنا فقط أن أبين أن أهلنا في السودان قد أجادوا وتفننوا في (عيشهم ) وهو الذرة وصنعوا منه الكسرة واللقمة والعصيدة والبنيكربو والدبلبة والمريسة والبوقنية والنشاء والموص والعُكارة وحتى (الماسك) الذي خُتمت به السيدة (فيفي) الحلقة مشيرة إلى أنه يجب الاستفادة من متبقي المكونات من العسل والشوفان… وهي ربما لا تدري أن أمهاتنا والحبوبات كُن أكثر حصافةً وباقي العجين عندهن كان يتحول إلى (خُمارة وعروكة) تُعرك بها البشرة للنظافة عندما كان الجمال طبيعياً… أو كما قال المتنبئ:

مـا أَوجُهُ الحَـضَـرِ المُـسـتَـحـسَـناتُ بِهِ

كَـــأَوجُهِ البَـــدَوِيّـــاتِ الرَعـــابــيــبِ

حُــســنُ الحَــضــارَةِ مَـجـلوبٌ بِـتَـطـرِيَـةٍ

وَفــي البَــداوَةِ

حُــســنٌ غَـيـرُ مَـجـلوبِ

أَيــنَ المَــعــيـزُ مِـنَ الآرامِ نـاظِـرَةً

وَغَــيـرَ نـاظِـرَةٍ فـي الحُـسـنِ وَالطـيـبِ

هذا حال معظم أنحاء السودان بل يعصرون من (الفتريتة) خمراً وسُكرهم لا يعرف الأعناب

أما في الشمال أيضاً أبدع الأهل في القمح فصنعوا القراصة والفطير والمديدة والبربور وأبدعوا في الدمج بين التمر والقمح فصنعوا الشربوت وعرقي البلح وقراصة التمر و(الزوادة) للمسافرين أيام السكة حديد… الإبداع هو أن تأتي لنا بجديد في هذه العناصر أما الشوفان فلا نعرفه، أرجو من القراء البحث عن الشوفان في قوقل حتى يتأكد كثيرون أنهم لا يعرفونه… ولن أنقل لكم تعريفه حتى تتأكدوا أن الغالبية لا تعرفه فهو ليس شعيراً أو توابل كما أجابني البعض ممن حولي عندما سألتهم…

… ما تقومون به ليس إبداعاً بل نقل ثقافة شعوب أخرى في مأكلها وهذا جيد ولا نقف ضده ولكن في ظل الفقر والجوع يجب أن نبدع في البحث عن بدائل وحلول لغلاء الخبز مثلاً، أما الحديث عن مهلبية الشوفان مع  (الدايت شُقر) فهو مستفز لأطفال يشاهدون التلفزيون وهم (بايتين القوى).

سلام