صلاح الدين عووضة يكتب : عريبي!!
17يونيو2022م
تصغير عربي..
ونبدأ بسرد بعض قصصٍ واقعية تعضد خلاصة كلمتنا هذه..
فقطار قادم من الشمال..
وتحديداً من الشمال الأقصى… النوبي..
إحدى عرباته تعج بسودانيين… عائدين من مصر..
بينهم يجلس ابن الشمال الأقصى هذا صامتاً؛ لا كلام… لا سلام… لا طعام..
لا يشاركهم في أي شيء؛ فقط ينظر إليهم من طرف خفي..
مسافر خلفه يصيح في أحدهم محتجاً على المزاحمة؛ وتفلت منه مفردة نوبية..
فيصيح في الصائح (مش تقول من الصبح في بني آدم هنا؟)..
صديق مصرفي – من أيام الصبا – ينتسب إلى الشمال الأوسط..
اشتهر بيننا بأدبه… وظرفه… وحيائه؛ وكان أحد رفقائنا في رحلة (القطر قام)..
وهي وجبة (عزابة) تستغرق رحلة إعدادها زمناً قياسياً..
وحين كبرنا قام القطر به في رحلة إلى حاضرة منطقته؛ مديراً لفرع المصرف..
ثم سرعان ما أُعيد بعد إحجام الناس عن التعامل معه..
قالوا: كيف نتعامل مع بنك يديره من كان أبوه (فريخاً لناس فلان)؟..
أستاذ الجامعة تعجبه طالبة معه من الشمال الأدنى..
يفاتحها في الزواج فتصمت… فيقوم به القطار إلى أهلها… فالسكوت علامة الرضا..
فيجيئه ردٌّ من أمامه (البنت لسه في الجامعة)..
ثم يجيئه ردٌ آخر من وراء ظهره (آخر الزمن نناسب العرب… والعرُّوب؟)..
وهكذا نمارس العنصرية على امتداد شريطنا النيلي… الشمالي..
فهذا عبد… وذاك عريبي… وتلك خادم… وأولئك حلب..
لدينا رأي حتى فيمن نسميهم عرباً… وحلباً… من أبناء وطننا؛ فلا نصاهرهم..
لا يهم عندنا أن تكون البشرة سمراء أم في لون اللبن..
فما دام ليس (ود بلد) فهو مواطن من الدرجة الثانية… أو الثالثة… أو الرابعة..
وصفة (ود بلد) هذه ليس لديها تعريف محدد..
ولكن قاسماً مشتركاً واحداً يربط بين الجميع؛ وبدرجات متفاوتة..
جميع مكونات شمالنا النيلي؛ عدا أهل الشمال الأقصى..
وهو قاسم العروبة؛ شيء عجيب… مع أن من شتائمنا العنصرية (يا عربي)..
فكيف نحتقر عرب الداخل؟… ونبجل عرب الخارج؟..
بل كيف نفاخر بالانتساب للعروبة؟… وفيما بيننا نستصغر شأن العريبي؟..
وكيف نسيئ إلى عربنا؟… ونغضب حين يسيء إلينا العرب؟..
أسئلة أتحدى أي عالم نفس… أو أجناس… أو اجتماع…. أن يجد إجابات عنها..
فنحن عنصريون لأقصى حد تجاه بعض مكونات مجتمعنا..
وعنصريون تجاه بعضنا البعض – كأولاد بلد – بقدر انتساب كلٍّ منا إلى العباس..
وأبناء الشمال الأقصى – الذين استثنيتهم – عنصريون تجاه الكل..
فالعرب كلهم لديهم واحد؛ عرب سودان… أو خليج… أو شام… أو يمن..
فهم يرون أنفسهم أبناء فراعين و(مش سائلين في حد)..
ومن ثم فهم محصنون من الذي يُغضب (عربنا) من تلقاء عنصرية (العرب)..
وهذا جانب حسن؛ ولكنها – في النهاية – عنصرية أيضاً..
أليس هذا واقعنا العنصري المُعقّد بلا رتوش؟..
نتباهى بعروبة ليس في راهنها ما يُشرِّف؛ ذلٌّ… وخنوع… وانكسار… وهيافة..
ثم نصيح في الداخل: روح يا عربي..
ويا عريبي!!.