يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق .. الاعتذار.. فن إنساني لا يتقنه بعض البشر!!
تقرير: سراج الدين مصطفى 16 يونيو2022م
ليس دليل ضعف أو فشل
يعتقد كثيرون أن الاعتذار نقطة ضعف لا يجب إظهارها، كونها دليل انكسار وهزيمة لا تليق بهم، ومن هذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ وإن أخطأت فهي سامية لا تعتذر لمن هم دونها مرتبة، وفي هذا شيء من صفات الشيطان ألا وهو الكِبَر.. ويقول الأستاذ خالد المقداد (الاعتذار ليس دليل ضعف أو فشل، كي نخجل منه، يكفي أن نعلم أن مجرَّد الاعتذار، هو اعتراف بالخطأ ورجوع عنه، وبالتالي فإن ترجمة هذا الشعور إلى فعل حسي ملموس، يحتاج إلى قوة محرِّكة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة ذاتها، وهذا لا يكون إلا عند من ملك صفة الشجاعة. إذا كنت من الذين يجبّرون الإساءة بالاعتذار فاعلم أنك شجاع).
في بعض المُجتمعات
بينما يري الباحث الاجتماعي طارق الطيب “في بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزءاً من مقوماتها وثقافتها الفكرية، فتراهم يزرعون في أطفالهم ثقافة الاعتذار منذ الصغر، حتى إن الأمر عندهم وصل حداً جعلهم يقرنون الصفح عن المُخطئ، أو تخفيف العقوبة عن المجرم بالاعتذار، وسنجد أنه وعندما تخطئ النخب في هذه المجتمعات فإن أول مطالب هو دعوة المُخطئ للاعتذار عن خطئه بحق الدولة والمجتمع وحتى الأفراد”.
ويضيف بقوله: “الاعتذار ليس كلمة تقال في زحمة الحديث وتبرير الخطأ، أو البحث عن مَخرج من الورطة التي سببها سلوك ما خاطئ، الاعتذار يعني الاقتناع التام بأن هناك خطأً ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجب الاعتذار، وبالتالي فإنّ نوع الاعتذار لا بد وأن يقترن بنوع الخطأ وحجمه. أن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا أشخاص سيئون، بل جيدون لأننا نحاول إصلاح أخطائنا، فليس من بشر معصوم عن الخطأ بعد الرسل”.
بينما يرى الأستاذ خالد المقداد “قد تكون نية البعض بالاعتذار صادقة، لكن طريقة اعتذارهم ربما تزيد الأمر سُوءاً، فتفاقم المشكلة بدل حلها، ومرد هذا الأمر جهل بثقافة الاعتذار والسلوك الذي ينبغي اتباعه، فالاعتذار هدية تعبِّر عن تقديرنا وحبنا أو احترامنا لمن أخطأنا بحقهم. اعتذر أولاً عن الخطأ وبشكل واضح وصريح لا لبس فيه، ثم ناقش وبرِّر ووضِّح في حال دعت الضرورة لذلك”.
روابط الإلفة والمحَبة
الاعتراف بالخطأ فضيلة هكذا يقول الباحث طارق الطيب، والاعتذار عنه فضيلة أخرى، كلاهما فضيلتان تعززان الحفاظ على روابط الإلفة والمحَبة بين البشر، وهما في نفس الوقت وسائل تمنعنا من فقدان مَن نحب. الاعتذار بلسم يشفي الكثير من الجروح، ويمنع تطور الخصومة إلى جفاء فعداوة! يعتقد البعض أن من البشر من لا يستحق الاعتذار، في حين أن البعض الآخر لا يتردّد بالاعتذار لشخص غريب، لكنه يجبن عن الاعتذار لقريب أو صديق، وهذا تناقض صارخ مرده لأحد أمرين: إما استعلاء وتكبر، أو أنه يتوقّع من الطرف الآخر أن يتفهّم الموقف ويسامحه بشكل آلي؟
شروط الاعتذار
ويرى المقداد أنّ بعض الناس لا يعتذر لمن هم دونه، لكنه لا يتردّد في بذله رخيصاً لمن هم فوقه، أو لجهة قوية نافذة يخشى ردة فعلها، وهذا لعمري قمة الضعف، لأن الخوف كان هو الدافع للاعتذار، الأمر الذي يمكن تصنيفه بالحالة المرضية أو سُوء الفهم. الاعتذار لغة النفوس الراقية التي تحترم ذاتها، ولا يكون إلا بطريقة ودية تعبر عن رقي وفهم المُخطئ لخطئه، وحرصه على عدم خسارة من أخطأ بحقهم.. والاعتذار الصحيح له شروطٌ لا بُدّ من توافرها، وأهمها: سرعة المبادرة بالاعتذار، عدم محاولة تبرير الخطأ، الصدق في الاعتذار، عدم التعالي أو التلاعب بالكلمات، اختيار الوقت والطريقة المناسبين فليست كل الأخطاء واحدة.
الاعتذار فن إنساني
الاعتذار فن إنساني لا يتقنه جميع البشر، رغم أنه لا يتطلب علماً أو ثقافةً كبيرين، بل شيء من أدب وتواضع، وقدرة على كبح جماح النفس الأمارة بالسوء، من هنا فإن أجمل أشكال الاعتذار، هو اعتذار القوي للضعيف، والكبير للصغير، والوالد للولد.. مثلما أن الاعتذار واجب، فإن قبول الاعتذار والصفح أوجب، لأنه خُلق الكرماء والنبلاء، وقبول اعتذار المعتذر لا يعني قبولاً بالأمر الواقع أو ابتلاعاً للإهانة، بل تسامح وإنصاف وحفظ للود وروابط الإخوة والصداقة. في حالة الوالدين فإنّ قبول اعتذار الأبناء هو مساعدة لهم على البر بهما.. وثقافة الاعتذار مُمارسة تحتاجها مُجتمعاتنا كثيراً، وينبغي زرعها في نفوس الأطفال، وبحيث تصبح جُزءاً من ثقافتهم فتنعكس إيجابياً على مُجمل علاقاتهم الاجتماعية لاحقاً، وعندها فقط سيستطيعون ممارسة الاعتذار بلا تردُّد ودون شعور بضعف أو خجل، فإن الدين المعاملة.