منى أبو زيد تكتب : في الظاهر والباطن..!
16 يونيو2022م
“يمكن أن تكون المجتمعات جاهلة ومتخلفة، لكن الأخطر هو أن ترى جهلها مقدساً”.. برتراند راسل..!
(1)
كم مرة رأيت مَن يفترض الطھر والعفاف في سیدة منقبة لا يعلم من أمر سلوكھا الشخصي شیئاً، وكم مرة سمعت من يخوض في عرض أخرى لمجرد كونها لا ترتدي الحجاب؟. كم مرة اطمأن قلبك إلى صاحب سلعة لیس لأن بضاعته جیدة، بل لأنه یملك لحیة طلیقة ويحمل مسبحة أنيقة؟. كم مرة سألت نفسك لماذا تتقدّم الشعوب الكافرة ونتقهقر نحن على الرغم من كل مظاھر التدیُّن التي نحرص على إتیانها حكومة وشعباً، لماذا تتقدم دولٌ ملحدة وتتأخّر أخرى مسلمة؟. لماذا ترتقي بعض الشعوب رقياً نورانیاً وهي بعیدة كل البُعد عن تلك الروحانیات التي تبثها المآذن والمنابر وحلقات الذكر في بلادنا على مدار الیوم والساعة؟. إنها لعنة فك الارتباط بين العبادات والمُعاملات، هو ذلك الجفاء الهائل الذي بات يطغى على علاقة الظاهر بالباطن، حتى كاد أن يصبح للالتزام الديني معنى ولمكارم الأخلاق معنى آخر. بينما النهج الإسلامي القويم من كل ذلك بُراء..!
(2)
تأمل في تاريخ مناخات المُمارسة السیاسیة وطقوس الخدمة المدنیة، تفرس في سلوك مديري الإدارات والمؤسسات، ثم تأمل ذات السلوك في حاضر ما بعد الثورة، ولسوف تخلص قانعاً إلى أن كل مسؤول تبوأ منصباً بفضل ولائه السیاسي في هذا البلد هو مشروع طاغیة. القلیل من السلطة یعني القلیل من الفساد، والسلطة المُطلقة تعني الفساد المُطلق، وهذا يعني – بالضرورة! – أنّ تاریخ التغيیر السیاسي في هذا البلد سوف یبقى سلسلة انتقالات من سواعد المُستبدین إلى أكف الطغاة، إن لم تتغیّر “أنت”. تغییرك لا یعني أن تهدم جبلاً أو تحفر بئراً، فقط جرِّب أن تفرد مساحة مقدرة لكلمة “لا” في رقعة ردود فعلك..!
(3)
حالة الأسیاد في السیاسة السودانیة لیست ظاهرةً أو عرضاً موسمیاً، بل هي تاریخ مقیم. صحیح إنّ الأحزاب الطائفیة التي تقوم على ازدواجیة الزعامة والانتماء – وبالتالي شراسة الولاء – قد كرّست لهذا النمط من الممارسة السیاسیة، لكن السبب الرئیسي – في تقدیري – هو استعداد الشخصیة السودانیة للتصوف في ممارسة العضویة الحزبیة والدروشة في حضرة الأسیاد الزعماء. ولأنّ المسألة مُرتبطة بطبيعة الشخصية السياسية السودانية، فإنّ هذه الحال لا تزال حاضرةً في مرحلة ما بعد الثورة. لكن الناس في هذا البلد ما عاد یكفيها أن تتبع أحداً، ولا بات یرضيها أن تؤله سیداً. جَفَّت أقلام التألیه ورُفعَت صحف القداسة..!
(4)
متى یشرع عقلنا الجمعي في إزالة اللبس بین الجدارة الأكادیمیة والوعي الاجتماعي، بین مصادر المعرفة وساحات التطبیق؟. متى یجتهد في فض ذلك الاشتباك بین علو الدرجات الأكادیمیة وعلو سقف الأفكار والقناعات؟. بین النضج الإنساني والذكاء العاطفي – الذي تتطلّب وجوده علاقات الزواج – وما یدرس في الجامعات؟. نحن مُجتمعٌ یتقدّم لخطبة الشهادة ویتزوج الصفة المهنية ویعیش تحت سقف واحد مع “البرستیج” الاجتماعي. مجتمع یستجدي معظم أفراده احترام الآخرین بعقد الشراكات الذكیة لذلك ینتهون في الغالب جیرانا غرباء تربطهم وحدة النسل والمصالح، أما عرى الروح وإفلاس الفكرة فأسرار یحفظها باب مغلق وتفضحها مشورة هاتفية في برنامج اجتماعي..!