إعفاء ديون السودان.. “نقطة الصفر” على الأبواب
الجمود السياسي يهدِّد بإخراج السودان من مبادرة "هيبيك"
الخرطوم: جمعة عبد الله 12 يونيو2022م
الخطر القادم
يواجه السودان خطر العودة إلى نقطة الصفر فيما يتعلَّق بموضوع إعفاء الديون، حيث من المرجَّح تعثُّر خطوات مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك” بعد أن وصلت البلاد في العام المنصرم إلى “نقطة القرار”.
وبسبب افتقار البلاد لحكومة تنفيذية منذ قرارات الجيش في “25” أكتوبر، وتعثُّر المفاوضات مع مؤسسات التمويل الدولية، والإخلال باتفاقيات تمت مع صندوق النقد الدولي والمانحين.
قبل عام بالتحديد، وفي يونيو من العام الماضي، قرَّر المجلسان التنفيذيان للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن السودان اتخذ الخطوات اللازمة لبدء الحصول على تخفيف أعباء الديون.
كما شهد مؤتمر باريس -أيضاً- تقديم دائني نادي باريس ضمانات تمويلية للتخفيف المؤقت لأعباء ديون السودان، حيث يعد أكبر دائني السودان من أعضاء نادي باريس هم: فرنسا، النمسا، الولايات المتحدة، بلجيكا وإيطاليا، وقد وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على مساعدات التخفيف المؤقت لأعباء الديون عن خدمة الدين التي يحل أجل استحقاقها للصندوق في الفترة بين نقطة اتخاذ القرار ونقطة الإنجاز في ظل مبادرة “هيبيك” ولدى بلوغ السودان نقطة الإنجاز في ظل مبادرة “هيبيك” سيتم سداد دينه الحالي المستحق للصندوق بعائدات المساهمات المالية الطوعية المقدَّمة من أكثر من (100) بلد، عضو بالصندوق.
تخفيف متأخرت
وقبل ذلك وفي مارس 2021م، تمت تسوية المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية من خلال تمويل للفجوة المالية مُقدَّم من الولايات المتحدة، تم سداده من عائدات “منحة سياسات التنمية” المموِّلة في المقام الأول من مخصصات تسوية المتأخرات المجنَّبة في العملية التاسعة عشرة، لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، كما تم تسوية المتأخرات المستحقة لمجموعة بنك التنمية الأفريقي في مايو 2021م، بتمويل مُقدَّم من حكومة المملكة المتحدة وبمساهمات من السويد وإيرلندا، تلا ذلك تسوية المتأخرات المستحقة لصندوق النقد الدولي في يونيو 2021م، بدعم من الحكومة الفرنسية.
وخلال العامين الماضيين، نجحت الحكومة في تسوية المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، لتمكين البلاد من إعادة مشاركتها الكاملة مع مجموعة البنك الدولي بعد نحو ثلاثة عقود، في أعقاب سداد المتأخرات عبر قرض تجسيري بقيمة (1.15) مليار دولار، من الولايات المتحدة، مما مهَّد الطريق للوصول على نحو ملياري دولار، من منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام.
أهمية إعفاء الديون
نظرياً، لم تتبق إلا مهلة، ولكنها ليست بالطويلة أمام تعافي اقتصاد السودان، خاصة وأنه أصبح منهكاً بسبب الديون الخارجية التي أثَّرت على انتعاشه طيلة السنوات الماضية، وكان السودان بعد ثورة ديسمبر، وجد لنفسه مكانة بين الدول، سيما المثقلة بالديون، وإدراج السودان في “الهيبك” لم يكن سهلاً، بل جرت العديد من المباحثات واللقاءات والمفاوضات بذلك الخصوص، حتى يصبح السودان قابلاً لإعفاء ديونه الخارجية، ولو كان ذلك يسيراً، لكن بحسب تطوُّرات مسألة إعفاء الديون الذي كان من المتوقع يتم في يونيو المقبل، إذا كيف يفسِّر خبراء الاقتصاد الخطوة القادمة فيما يتعلَّق بإعفاء الدين الخارجي.
بيان للسودان بالأمم المتحدة
وشهد الأسبوع المنصرم، تقديم مندوب السودان بالأمم المتحدة، محمد محمود، بياناً لدى الأمم المتحدة، أوضح فيه أن السودان يواصل تنفيذ إجراءات إصلاحية اقتصادية، وهي إصلاحات شديدة الوطأة على شرائح كبيرة من المواطنين، لكنها ضرورية لمعالجة التشوُّهات الموروثة في هيكل الاقتصاد السوداني حتى تحقق هذه الإصلاحات الاقتصادية أهدافها المرجوَّة، مبدياً تطلع البلاد إلى استئناف التعاون والمساعدات التنموية من الشركاء الثنائيين الحريصين على نجاح الانتقال في السودان خاصة من مؤسسات التمويل الدولية، وقال: ذلك للتخفيف من آثار الإصلاحات وتخفيف عبء الدين الخارجي الذي تأهل له السودان باتخاذه للخطوات اللازمة وفقاً لمبادرة “هيبيك” واستكمال معالجة التشوُّهات الاقتصادية الموروثة.
الآثار المشتركة
وذكر البيان أن الجمود السياسي ما يزال يسبب خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، فالاحتياجات الإنسانية آخذة في الازدياد ما يؤثر تأثيراً كبيراً على أشد الفئات ضعفاً. في أبريل، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في المتوسط بنسبة (15%) مقارنة بشهر مارس، وظلت أعلى بنسبة (250%) من العام الماضي، ووفقاً للبيان إن الآثار المشتركة لعدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية وضعف المحاصيل وصدمات العرض العالمية لها تأثير كارثي على التضخم والقدرة على تحمُّل تكاليف الغذاء، ويتوقع أن يتضاعف عدد السودانيين الذين يواجهون الجوع الحاد إلى حوالي 18 مليوناً، بحلول سبتمبر من هذا العام، وأضاف البيان: خصص مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (20) مليون دولار، استجابة من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، ويواصل المانحون تقديم المساعدات الإنسانية، ومع ذلك تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام 2022م، بنسبة (13) في المئة فقط، ونوَّه إلى أنه في ظل غياب اتفاق سياسي لاستعادة الشرعية الدستورية، ظلت الكثير من المساعدات الإنمائية الدولية ومشاركات المؤسسات المالية الدولية متوقفة.
نهاية يونيو
ويفيد البيان أن السودان يواجه -أيضاً- خطر إعادة تخصيص المساعدة الحيوية من برنامج المؤسسة الدولية للتنمية التي كانت مخصصة للسودان جزءاً من المبادرة المتعلِّقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون إلى بلدان أخرى بحلول نهاية يونيو، إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة، ويشير البيان إلى أن بعض الدول المانحة حذَّرت من أن الدعم المالي الدولي للحكومة السودانية، بما في ذلك تخفيف الديون، لن يستأنف بدون حكومة مدنية.
أزمة معقَّدة
ويصف المحلِّل الاقتصادي د. الفاتح عثمان، الأزمة السياسية السودانية بأنها “بالغة التعقيد” وبها تبعات اقتصادية مؤلمة جداً، وعزا ذلك لأن مجموعة أصدقاء السودان والمؤسسات المالية الدولية أوقفت بشكل فوري كل دعمها المالي للحكومة السودانية بعد الإجراءات العسكرية في “25” أكتوبر الماضي، والتي جمَّدت برنامج إعفاء الديون الخارجية، وهدَّدت بأن الفترة حتى منتصف يونيو، أن لم يتم التوصل إلى تكوين حكومة مدنية ذات مصداقية، سيتم إخراج السودان من برنامج إعفاء الديون الخارجية بجانب إلغاء المنح المالية وتوزيعها على دول أخرى.
د.الفاتح يلفت من خلال إفادته إلى أن فولكر، يرى أن عدم تقديم أي دعم مالي للحكومة السودانية بذريعة عدم تكوين حكومة مدنية قد يُعرِّض للخطر ليس فقط الدولة السودانية، بل كامل الإقليم، ويعتقد أن فولكر، بهذا وضع المجتمع الدولي أمام واجباته وكذلك القوى السياسية السودانية للعمل دون انهيار اقتصاد الدولة السودانية، وقال: إن نحو نصف السكان أي (18) مليون مواطن، يعاني نقص الغذاء ويعانون بشدة جراء ارتفاع أسعار السلع بفعل التضخم المرتفع الذي يعتبر الثاني عالمياً بعد فنزويلا.
مخاوف تزايد الدين
يقول الباحث الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، بحسب التقرير السنوي لبنك السودان المركزي لعام 2019م، بلغ إجمالي الدين الخارجي (51.2) مليار دولار، منها (26.4) مليار دولار، فوائد تأخيرية، وتابع: إن فوائد الدين تزيد على إجمالي قيمة أصل الدَّين، ومضى قائلاً: الوضع المالي في السودان لا يؤهل لنوع من الاستغناء عن الديون، سواءً محلية أو خارجية، بل إن مؤتمر باريس الذي مهَّد لإسقاط جزء من ديون السودان، كانت آليته تدبير قرض للسودان بنحو (1.6) مليار دولار، لدفعها للمؤسسات الدولية، حتى يمكنها عودة التعامل مع السودان، وقطع بأن السودان التزم ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية التي بموجبها تم انضمامه لمبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبيك)، ويرى أن على مؤسسات التمويل الدولية أن لا تتعامل بذات نهج الدول الدائنة لجهة أن هذه المؤسسات اقتصادية وليست سياسية.
نكوص التعهدان
ويعتبر د.هيثم، أن عدم التزام هذه المؤسسات الدولية وفي مقدِّمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، عن وعودهما في المساهمة في تخفيف ديون السودان، نكوص عن التعهدات التي قطعوها مسبقاً، وأوضح أن توجهات المجتمع الدولي تؤثِّر بشكل سلبي على الاقتصاد السوداني، لا سيما في مشكلة الديون الخارجية، وقال: إن الحكومة حققت (90%) من وصفة صندوق النقد، ويرى أنه لا مبرِّر للتهديد بعدم الإيفاء، وأشار إلى أن أي دولة نفَّذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء، لكن المجتمع الدولي لم يف بوعوده تجاه السودان حتى الآن، وشدَّد على ضرورة حل مشكلة الدين الخارجي حتى يتمكَّن الاقتصاد السوداني من الانطلاق من قاعدة جديدة للقروض الميسَّرة، خاصة وأن السودان يملك إمكانيات ضخمة من الثروة المعدنية خاصة الذهب وأراضي زراعية شاسعة.
استمرار الأزمة وتعقيدها
ويضيف د.هيثم، إن إعفاء الدول من الديون الخارجية له آلياته، الولايات المتحدة لا علاقة لها بالديون نهائياً، لكنها تستطيع أن تؤثِّر على دول الاتحاد الأوربي وكثير من الدول سياسياً ودبلوماسياً، ونوَّه إلى أن السودان يشهد عدم توافق سياسي بين مكوِّناته وتدهور أمني كبير، وزاد قائلاً: هذه الأمور سوف تقود إلى استمرار الأزمة الاقتصادية إذا لم يتم تدارك هذه الأمور، ولفت إلى أن مستقبل السودان الاقتصادي قاتماً بالنسبة لعلاقاته مع دول العالم في ظل استمرار التجاذبات السياسية واضطراب مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد.
كيفية إعفاء الديون
ويتمثَّل الهدف من “المبادرة متعدِّدة الأطراف لتخفيف أعباء الديون في زيادة تخفيض ديون البلدان منخفضة الدخل المؤهلة وتزويدها بموارد إضافية لمساعدتها في تحقيق أهدافها الإنمائية. وبموجب المبادرة متعدِّدة الأطراف لتخفيف أعباء الديون تقوم ثلاث مؤسسات متعدِّدة الأطراف، هي: المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، صندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الإفريقي، بتقديم تخفيف أعباء الديون بنسبة (100%) على الديون المستوفية للشروط للبلدان المؤهّلة، لدى بلوغها نقطة الإنجاز في ظل مبادرة “هيبيك” وحال وصول السودان لهذه النقطة كان سيحصل على تخفيف إضافي لأعباء ديونه بموجب المبادرة متعدِّدة الأطراف من مجموعة البنك الدولي ومجموعة بنك التنمية الأفريقي، كما كان من المتوقع أن ينظر صندوق النقد الدولي في إتاحة تخفيف أعباء الديون للسودان إلى جانب ما تقدِّمه مبادرة “هيبيك”، بما يصل إلى تخفيف لأعباء الديون بنسبة (100%) على الدين المستوفي للشروط من الصندوق.