الخرطوم: جمعة عبد الله 12 يونيو2022م
تزايدت عمالة الأطفال في السودان بصورة لافتة عقب تراجع الدخول مقابل الاستهلاك نسبة للتردي الاقتصادي الحالي خاصة بعد انتشار جائحة “كورونا” قبل عامين أو يزيد، ما أرغم الأمر معظم الأسر بالسماح لفلذات أكبادهم بحثاً عن عمل لمجاراة الظروف الصعبة التي خلَّفتها الجائحة، وتظل قضية عمالة الأطفال من أبرز القضايا التي يصعب على الدولة معالجتها أو الحد منها في ظل الوضع الراهن بالبلاد، وفي مثل هذا الواقع تواجه الأسر السودانية تحديات المعيشة والفقر المدقع، وكذلك تصاعد تكاليف دراسة أبنائهم ما حدا بهم إلى اللجوء للعمل لسد حاجة الأسرة.
من الملاحظ في الآونة الأخيرة انتشرت بكثافة ظاهرة عمالة وتشغيل الأطفال ما دون السن القانونية للعمل، وتبدو الدوافع والأسباب معلومة بحكم التردي الاقتصادي الذي يحف بأرجاء البلاد، الشيء الذي أمر بإتاحة الفرص واتجاه الأطفال للعمل بحثاً عن رغد العيش مشاركة ومساهمة منهم لذويهم في التخفيف من الآثار والأعباء المعيشية، لكن بعض خبراء علم الاجتماع يرون أن عمالة الأطفال وانتشارها مؤخراً ينسب إلى ازدياد الفقر باعتباره سبباً رئيساً ما دفعهم للعمل، وما يراه بعض الاقتصاديين نحو عمالة الأطفال أنها مهمة وتجلب لهم مهارات ومكاسب مادية، ولكن بعض التحذيرات تطلق من قبل الاقتصاديين من انتشار عمالتهم بصورة لافتة في هذا التوقيت ما ينعكس ذلك سلباً على مستقبل هؤلاء الجيل من الأطفال.
نسب وأرقام
وبحسب إحصاءات موثوقة أجريت مؤخراً فإن (52%) من الأطفال في مرحلة الأساس خارج المدرسة، وهذا يدل على أن التسرُّب المدرسي يدفعهم إلى سوق العمل، وكشفت الإحصائيات أن نسبة الملتحقين بالمدارس ما بين (62%) في المدن و(37%) في الأرياف، وحوالي (49%) للذكور، مقارنة مع حوالي (46%) للإناث، فضلاً عن نحو (33%) لا يصلون الصف الخامس، ويشير بحث أجرته منظمة “يونيسيف” العام الماضي، إلى اختلاف المفاهيم حول عمالة الأطفال، فهناك عمالة أطفال بأجر وعمالة دون أجر، بعضهم يعمل مع أسرهم في المزارع والمراعي والشؤون الأخرى، وهناك عمالة المنزل أقل أو أكثر من أربع ساعات في اليوم، وتقول الدراسة: إن تشخيص ظاهرة عمل الأطفال لا تقتصر على البعد الكمي، وإنما تتجاوزه إلى التشخيص الكيفي لشروط العمل وناتجه الاجتماعي، وكالة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، قالت: إن هناك حوالي ثلاثة ملايين، طفل سوداني، خارج المدرسة، يعملون في عدة مهن.
تبعات الفقر
وتشير باحثة علم الاجتماع، كوثر حسين، إلى أن الوضع الاقتصادي السييء دفع الأطفال للعمل في الأسواق في سن لا تصلح للعمل بتاتاً، وعزت ذلك لاكتسابهم أشياء وصفات لا تناسب أعمارهم، وقالت كوثر: إن الأطفال عادة ما يتأثرون بأفعال الكبار ويسارعون في تقليدهم وتلقائياً نجدهم يتداولون مصطلحات لا تليق بأعمارهم، وأوضحت أن بعضهم أصبحوا يتعاطون الممنوعات، وأرجعت ذلك إلى الفقر باعتباره سبب رئيس في انتشار عمالة الأطفال.
مخاطر
يقول المحلِّل الاقتصادي، محمد النيل: إن عمالة الأطفال في السودان ليست جديدة وقديماً كنا نعمل منذ نعومة أظافرنا مع أجدادنا في المزارع والحقول والتجارة، وأكد أن الغاية منها تحقيق مكاسب وخبرات عملية تساعد في تخفيف الأعباء المعيشية للأسر، لكنه يلفت إلى أن الواقع الاقتصادي أصبح معقَّد جداً خاصة بعد جائحة “كورونا” مؤخراً، وزاد بالقول: تراجعت دخول الأسر مقارنة بما قبل الجائحة، ومضى قائلاً: ربما هذا ما دفع بالعديد من الأسر بأبنائهم نحو العمل لسد الفجوة، وأعاب في الوقت نفسه على بعض المظاهر والسلوك التي وصفها بغير الحميدة، مشيراً إلى أن هناك تحديات تواجه الأطفال في سوق العمل، وحدَّد أبرزها عدم قدرتهم على تحمُّل التكاليف الملقاة عليهم بجانب عدم قدرتهم على اكتساب مهارات جديدة في العمل، ونوَّه إلى أن البعض يعمل على استغلالهم مقابل مبلغ زهيد، داعياً الجهات المختصة لضرورة إجراء مسح ميداني لمعرفة مزايا ومخاطر عمالة الأطفال في السودان، محذِّراً في الوقت نفسه من انتشار عمالتهم بصورة لافتة في هذا التوقيت ما ينعكس ذلك سلباً على مستقبل هؤلاء الجيل من الأطفال.