كتب: سراج الدين مصطفى 11 يونيو 2022م
(1)
أسرار بابكر، أخذت معها أسرار الغناء الجميل وذهبت، هكذا كنت ألخص حالة غيابها عن المشهد الفني، وهو غياب مؤثر بالطبع، ولكننا دائماً ما نزيد ونزايد بقولنا إن (غياب) أسرار بابكر، أفضل من (حضور) بعض الفنانات، وكما يقول عنها الأستاذ خالد سعد: (أسرار بابكر، صوت يبدو نادراً هذه الأيام وسط زوبعة المطربات الجدد، فهي لا تقوم بأداء ما يسمى في السودان بأغنيات البنات، ولا تملك القدرة على (الغنج) في الحفلات العامة، ولكنها تمتلك ثقافة فنية لا بأس بها، وقدرات صوتية لا تضاهى من بنات جيلها من المغنيات الجدد، فضلاً أن لأسرار قدرة فذة على البحث المستمر عن الألحان الجميلة والأغنيات الرائعة في مسعى يبدو وكأنه يعيدنا إلى زمن الغناء الجميل، فأسرار ذات الصوت الشجي المريح لا تقف فقط على إعادة إنتاج الأغنيات العذبة لفنانين كبار، لأن لديها من الألحان الخاصة ما يكفي لمزاحمة مطربين مشهورين يحتكرون أسواق الكاسيت منذ سنوات.
(2)
والمغنية أسرار تزعم أنها تربية (جدات)، ويظهر ذلك في سلوكها الاجتماعي وأزيائها الكلاسيكية الأنيقة، ولكنها شربت من ذات كأس الفن الذي صادف أن والدها أحد سقاته المخضرمين في ناحية العزف على آلة الكمان الساحرة ونظم الألحان وحتى التغني بها، وهو أمر ساعد صاحبة (الأسرار) على تجاوز العديد من المصاعب التي تواجه بنات السودان للولوج إلى هذا المجال المصنَّف في قائمة المجالات الخطرة والمثيرة في آن واحد، وتقول أسرار في الخصوص إنها من أسرة فنية، فإلى جانب والدها عازف (الكمنجة) الماهر هنالك عمها شقيق والدها الذي يعزف على آلة العود، وأهلها المقرَّبون من المحبين للشعر والأدب ومن الذين يقدِّرون فن الغناء.
(3)
وساهم التشجيع الذي لقيته أسرار في بداية حياتها من تلك الأسرة الفنية، إلى جانب إدراكها بأنها ليست الأولى كامرأة في عالم الغناء في السودان، بجزء كبير في حماسة انطلاقتها في مشوارها الفني، فهي تقر بأنها ليست مميَّزة كونها دخلت هذا المجال ولكنها إضافة لعشرات المغنيات السودانيات منذ منى الخير وعائشة الفلاتية وحتى أحدثهن، وقد بدأت أسرار الغناء مبكراً منذ التاسعة من عمرها، وذلك بترديد أغنيات للمجموعة النسائية الأشهر في السودان (مجموعة البلابل) والفنان عبد الكريم الكابلي، وتغنت –أيضاً- بألحان لمطربين آخرين مثل: إبراهيم حسين في (يخاصم اليوم) وصالح الضي وغيرهما من فناني الجيل الذهبي للغناء السوداني.
(4)
وعندما كانت فرقنا الرياضية المهووسة بالتسجيلات تعود للخرطوم محملة بالهزائم من المنافسات الخارجية، وحين كان السودان يتعرَّض للإدانات السياسية الدولية، عادت المغنية أسرار بابكر في العام 2003م، بذهبيتين للسودان عن مشاركتها الباهرة في مهرجان الأغنية العربية الدورة الحادية عشرة الذي أقيم في المغرب بمشاركة 14 دولة عربية، وأذيع اسم السودان على مسرح المهرجان لمرتين لحصوله على جائزة أفضل نص للأغنية التي أدتها أسرار وهي من كلمات الشاعر مهدي محمد سعيد وجائزة أفضل لحن للموسيقار محمد حامد جوار.
(5)
وتذكر أسرار إبان مشاركتها في مهرجان الأغنية العربية بالمغرب، القبول الكبير الذي لاقته الأغنية السودانية وسط الحضور الفني المتخصص والجمهور على السواء، وتضيف أنها عرفت من منافسيها الآخرين مدى انتشار الأغنية السودانية وذيوع أسماء مثل الفنان الكبيرعبد الكريم الكابلي والراحل سيد خليفة في الساحة العربية، لذا فهي لا توافق على القول إن العامية أو الموسيقى السودانية عائق أمام انتشار الغناء المحلي على المستوى العربي أو الأفريقي. وتتحدَّث بامتنان جدير بالاحترام عن مغنيات رائدات مثل: عائشة الفلاتية والبلابل ومنى الخير والأخيرة تعتبرها أسرار من أجمل الأصوات النسائية في تاريخ الغناء بالسودان، وتضيف إنه لولا هذا الجيل من المغنيات لما كانت أسرار بابكر الآن.
(6)
أخيراً، ورغم كل ما حققته أسرار حتى الآن، فهي ما تزال قلقة على مستقبلها المهني وابتعادها بسبب الزواج، وتنشغل بشدة في كيفية الاستمرار في العطاء الفني بمستوى راقٍ وتقديم الأعمال الجديدة التي ترضي طموحها وطموح جمهورها، و تعرف أنه مشوار غاية في الصعوبة، بيد أنه يستحق التضحيات.