اللُّعبةُ المكشوفة
يعتقِد دُعاة التصعيد مع المجلس العسكري الانتقالي، أن تسخين الشارع وجر قوات الشرطة والقوات التي تحفظ الأمن والنظام العام إلى مواجهات دامية هو السلوك الأمثل للوصول لأهدافهم، وحسب الخطة التي أعدتها كوادر الحزب الشيوعي وبعض مُكوّنات قوى الحرية والتغيير، فإن التظاهُرات التي ستخرج هدفها هو التصادُم والاحتكاك مع القوات النظامية بعد استفزازها بكل الوسائل الممكنة، حتى تخرُج عن السيطرة وترُد بعنف على الاستفزاز، وينتج عن ذلك عنف ودماء، وبعده يتم تهييج الرأي العام العالمي عن طريق مقاطع الفيديو والصور الحيّة وتغطيات القنوات الفضائية و الإعلام الرقمي، وإعطاء مُبرّر للمجتمع الدولي وهيئات ومنظمات حقوق الإنسان للضغط على المجلس العسكري حتى يفقد أي قدرة على التماسُك ويضطر للإذعان وتسليم السلطة للمدنيين ..
بهذه الطريقة الدموية المُفجِعة، يُفكّر دُعاة موكب 30 يونيو المقبل، وتحت مسمى الثورة والحراك الثوري، يُستدرَج الشباب والصبية صغار السن ويعرّضونهم للخطر من أجل تحقيق أهداف سياسية، ولا تأخذ قيادات اليسار وخاصة الحزب الشيوعي رأفة بدماء الشباب ولا أرواحهم، سيختفي قيادات الحرية والتغيير ويُلقون بالمُغرّر بهم وبأبناء الشعب السوداني إلى الشارع، وتقوم كوادر الحزب المُدرّبة بقيادة الهيجان والاستفزاز ، وإشعال نار الفتنة وينتشر الحريق في كل مكان، فقط من أجل أن يتم اعتلاء الساسة المبجّلين سنام السلطة .
وهنا لابد من التحذير الصارم للقوات النظامية خاصة شرطة مكافحة الشغب أن تتحلّى بأعلى درجات الانضباط والحذر لدى التعامُل مع المتظاهرين وعدم الاحتكاك بهم أو استخدام القوة المفرطة من أي نوع معهم، حتي نتجنّب جميعاً ما يُخطِّط له الحزب الشيوعي، وهو يعمل على تفجير الأوضاع في البلاد، وصناعة الفتنة، فكلما ضبطتْ القواتُ النفسَ، وتعامَلت بمهنية عالية وِفق قواعد الاشتباك في فضّ التظاهُرات المعمول بها في كل العالم، سيخيب مسعى الشيوعيين ويطيش سهمهم، وتنعدم الخسائر وتُحقَن الدماء .
فمنذ أسبوع صدرت قرارات من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بإنزال الكوادِر التنظيمية والأمنية إلى تحت الأرض، وتحريك (المغفلين النافعين) في الأحياء والسوشال ميديا، وتمّت تهيئة لجان الأحياء وما يُسمى بلجان المقاومة في مناطق السكن والعمل والتجمّعات، لقدح الزناد ودعوة الجماهير للخروج إلى الشارع، ثم تتوارى كوادر الحزب وتترك الجماهير تُواجِه مصيرَها، وهذا هو ديدنُ الشيوعيّين دائماً يتخفُّون وراء الآخرين، وعندما يعلو اللهب ويتحقّق أي نجاح، يتقدّمون لقطف ثمار الآخرين واعتلاء هامة النصر مُدّعين بغير حق أنهم أصحاب البذل والجهد والتضحيات .
كل شيء مكشوف، المخطط واضح، والمعلومات تتوفر على مدار الساعة، ومنهج الحزب الشيوعي وطريقته في إدارة التظاهُرات والترتيب لتحرّك يوم الأحد المقبل معروف، وهناك جهات سياسية غربية ومبعوثو دول وسفراء عقدوا اجتماعات مع ناشطين وقيادات حزبية تنتمي للحرية والتغيير، بغرض التنسيق معهم وتحريضهم وتشجيعهم لتنفيذ المخطط بحذافيره حتى يتمكن المجتمع الدولي من التدخل، وقد تم التمهيد لذلك عبر حملة سياسية وإعلامية خارجية في أجواء اعتقاد بأن هذا التحرّك في اليوم المحدّد سيكون له مردود فوري وإيجابي على قوى الحرية والتغيير، خاصة أن الجهات التي تدعمهم وتقف في صفهم قد أجزلت في عطائها لهم، وبذلت لهم من الوعد ما يُحفّزهم لأداء المهمة .
مع ذلك، هناك شكوك كثيرة تساور الكثير من قيادات الحرية والتغيير تخشى من فشل التظاهرات المُنتَظَرة وعدم الحماس الجماهيري لها، وتدلل هذه القيادات بوجود مأزق سياسي حقيقي سببه إخفاقهم في تحقيق أي نصر سياسي طيلة الفترة الماضية خاصة أيام الاعتصام ، حيث نجح المجلس العسكري في إدارة معركته السياسية معهم، ونجح في فض الاعتصام الذي كان ضمانةً لاستمرار وفاعِلية الفعل الثوري، وأهم عنصر ضغط وورقة كانت في أيديهم.
ويذهب هؤلاء المشككون إلى أن هوامش المُناوَرة قليلة أمام الحرية والتغيير، إذا سيطرت القوات النظامية على الوضع بالخرطوم وتبدّد دخان التعبئة الثورية وانقضى اليوم وليلته دون أن يخر المجلس العسكري صريعاً تحت أرجل الثوار، سيكون لزاماً في هذه الحال أن يلعق أصحاب إعلان الحرية والتغيير جِراح خيبتهم، ويلعنون ظلام مآلهم الخاسر، ويتوارى جمعهُم وراء أوشحة الفشل السياسي والجماهيري والتنظيمي والإعلامي ..