الخرطوم: صلاح مختار 9يونيو2022م
غياب قوى سياسية مؤثرة عن الحوار المباشر الذي انطلق أمس، خيَّم على أجواء المناسبة ربما البعض استخدم القاعدة الفقهية التي تقول: (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، مفادها: أنه إذا تعذَّر حصول الشيء كاملاً، وأمكن المكلف فعل بعضه، فإنه يفعل المقدور عليه، ولا يترك الكل بحجة عجزه عن بعضه، لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده مع الإمكان أولى من إعدامه كلية. بالتالي تأتي أهمية هذه القاعدة وإنزالها على الحوار المباشر الذي بدأ أمس، من جهة اتساع مجال الخلاف حوله ومن جهة أخرى تزايد احتمالات المخاطر المحدِّقة بالدولة.
حيث غاب عن المشاركة المجلس المركزي للحرية والتغيير والحزب الشيوعي والأمة القومي ولجان المقاومة وتيارات ثورية أخرى، بينما شاركت قوى الحرية والتغيير (ميثاق التوافق الوطني), بجانب أحزاب الوحدة الوطنية والجبهة الثورية, وتيارات إسلامية منها المؤتمر الشعبي وأحزاب سياسية أخرى. مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات لمواقف تلك الأحزاب ويبرز السؤال المهم هل مواقفها مواقف أصيلة أم تكتيكية أم مرحلية؟
المواقف الرافضة
وأعلن حزب الأمة القومي مقاطعته المشاركة في الحوار بدعوى المحافظة على الصف الوطني وتبعه الشيوعي والمؤتمر السوداني. ورهن المؤتمر الشعبي مشاركتهم بتهيئة للمناخ السياسي ومتطبات مستحقة ومن ثم إرادة سياسيّة وعزيمة وطنية بعيداً عن الإقصاء. وباعتدالِ مسار الحوار. فيما أوضح الأمين السياسي لحزب الأمة – جناح مبارك الفاضل، فتحي مادبو، أن سبب عدم مشاركة الحزب في الحوار السوداني– السوداني – انعدام المنهجية للآلية. في المقابل برَّر الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير المجلس المركزي الواثق البرير رفضهم المشاركة في الاجتماع الفني لبداية الحوار المباشر لعدم قبولهم اجتماع يضم عناصر موالية للنظام السابق ودون تهيئة المناخ. فيما اعتبرت تنسيقيات لجان المقاومة في ولاية الخرطوم أن الدعوة المقدَّمة من آلية الحوار محاولة لدق أسفين بين الأجسام الثورية المقاومة، وجدَّد رفض لجان المقاومة للتفاوض والحوار مع من سماهم بالانقلابيين على طاولة واحدة.
سيناريوهات أسوأ
يرى المحلِّل السياسي عبد الله آدم خاطر، أن السيناريوهات الأسوأ في أن الأمور بالسودان تنتهي إلى نظام عسكري كامل, تم التمهيد له بوسائل متعدِّدة في ظل خبرة سياسية غير مكتملة. أو تنتهي إلى نوع من الفوضى غير المقدور على قيادتها. وبالتالي الاثنان تصبحان كوارث على السودان. وقال لـ(الصيحة): في نفس الوقت تصبح لفلسفة لإجهاض الثورة التي تقوم على استمراريتها وسلميتها ووصولها إلى هدفها, وهي استمرار الحكم المدني الديموقراطي الفيدرالي. ولكن في كل الأحوال المجتمع الدولي يدرك تمام الإدراك أن نظام البشير، انتهى إلى الابد ولن يعود، وأن السودانيين دولة وأمة يحتاجون إلى مزيد من الحوار والمكاشفة والنقاش. وقال: الآن جاري البحث عن مداخل حقيقية لحوار يفضي إلى دولة مدنية ديموقراطية فيدرالية، وهذا يأخذ بعض الوقت، ولكن إذا استعجلنا من الزاوية العسكرية تصبح كارثة والاستعجال من ناحية المدنيين أو التباطؤ الشديد من ناحية المدنيين تصبح النتائج كذلك إلى كارثية.
دولة مدنية
ويقول خاطر: في كل الأحوال لابد لكل القوى السياسية والأحزاب التراضي نحو الحوار، وقال: لا نملك غير أننا نتراضى إلى حوار يوصِّلنا إلى دولة مدنية, حتى ولو دخلنا في خصومة أو حروب أو نزاعات، ولكن في نهاية الأمر لابد أن تكون هنالك دولة مدنية يعترف بها العالم وتحفظ حقوق المواطنين من المدنيين وتحفظ أرواحهم ومستقبلهم وعلاقاتهم في المجتمع الدولي، غير أنه في ظل الحالة الراهنة لن تستمر مطلقاً ولذلك لابد لممثلي وقادة الرأي العام السوداني، هذا هو وقتهم، للوصول بالسودان المستقر السياسي الوطني الدستوري الذي يعالج القضايا الجانبية التي ليس لديها تأثير كامل على البلد.
مستويات الحل
ولكن الخبير القانوني والسياسي د. نبيل أديب، يقول: لا أستطيع معرفة على وجه التحديد مواقف وأسباب تلك القوى السياسية الرافضة في الدخول للحوار المباشر, بيد أنه رأى في حديث لـ(الصيحة) من الفطنة الدخول في الحوار, ليس لأنه لأي قرض آخر ولكن لا تستطيع الحديث عن الحوار أو أي مستوى للحل دون الدخول في الحوار، لأن قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير تحدثوا عن الحل بيد أن الحل السياسي أصلاً يكون تفاوضي ولا يأتي غير ذلك, وبالتالي إذا كان لديهم رأي في طريقة إدارة الحوار عليهم طرح ذلك داخل الحوار, بالتالي لابد من اللحاق بالحوار لجهة أن البلاد لا تتحمَّل أكثر من ذلك.
القوى المؤثرة
وقال أديب: حلقة الحوار لا يمكن أن تكتمل إلا إذا كانت كل القوى السياسية حاضرة فيه، مضيفاً ولكن المسألة تتطلَّب أن يكونوا مستعدين لذلك وعلى أي حال الحوار الذي يجري الآن ناقص، هنالك مجموعة لم تدخل فيه، ومن المفروض أن تدخل، وأعتقد أنه لابد من حثهم للدخول فيه وطرح رؤاهم داخل الحوار حتى يكون مثمراً, ولذلك يجب أن يشمل كل القوى الرئيسة المؤثِّرة.
بداية ونهاية
واعتبر الأكاديمي والمحلِّل السياسي د. صلاح الدومة، مواقف القوى الرافضة للدخول في الحوار المباشر مواقف أصيلة, وقال لـ(الصيحة): هو الموقف المفترض تتخذه كل القوى السياسية, وأضاف: مهما كانت الضغوط من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول الترويكا والإيقاد والدول الصديقة يجب أن يكون هذا هو الموقف، ولابد من العودة إلى الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية وتنفيذ ما فيها وتسليم السلطة إلى المدنيين، كما تنص الوثيقة الدستورية، وأوضح إذا تم إعلان سياسي جديد ووثيقة دستورية جديدة بعد حين يتم التراجع عنه وندخل في دوامة جديدة لا حد ولا نهاية لها.
مؤازرة دولية
ولأن البعض لا يتصوَّر اكتمال حلقة الحوار إلا بمشاركة قوى رئيسة فإن الدومة يقول: من الطبيعي الذين يتحدَّثون بأن الحوار بمن حضر هي المجموعة التي ناصرت قرارات الخامس والعشرين، ومن شايعهم، وهؤلاء امتداد للإنقاذ والمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية. وقال: المجتمع الدولي يمكن أن يؤازر جهة باطلة إلى فترة ما، ولكن إذا كان صاحب الحق هو الأقوى يستطيع أن يفرض سطوته وسيطرته ورأيه على المجتمع الدولي وعلى الانقلابيين معاً, وأضاف بالقول: أعتقد جازماً أن الثوار في الميدان هم أقوى, وفي النهاية المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأمم المتحدة والترويكا والاتحاد الأفريقي سيرضخون لرأي الثوار ولجان المقاومة وسوف ينتصروا لا ريب في ذلك.