صلاح الدين عووضة يكتب : الكاب!!
9يونيو2022م
ونعني المحطة..
وقد نعني – كذلك – ذاك الذي يضعه النظاميون على رؤوسهم..
ولكنا نبدأ بنافذة القطار..
قطار الشمال… وكلٌّ منا ينظر عبر نافذة قطاره..
فها هي الكاب..
والكربة هي ذاتها..
ودار مالي من بعدها عطبرة..
والمتمة… وشندي… والجيلي… وبحري… فالخرطوم..
كلٌّ هو ذاته… هو ذاته..
ومعاوية نور كتب (من نافذة القطار)..
وكذلك عبد الله الطيب… بالعنوان نفسه… وربما شاهد المناظر عينها..
أو مناظر أخرى… إن لم يكن قطار الشمال..
ولكنها تتكرر… إن تكرر سفره به… مع تكرار ضرورات السفر..
فمحطاتنا تبقى كما هي… حيناً طويلاً..
سواء محطات قطاراتنا… أو بواخرنا… أو باصاتنا… أو جمالنا قبلاً..
فبعضها كما هو منذ زمان السفر بالإبل..
وحتى هتافات الباعة هي نفسها..
بل تكاد تجزم أن الوجوه ذاتها… هي ذاتها…. بملامحها ذاتها… بأزيائها ذاتها..
سيما هتاف (جنا جداد)..
والحال ينطبق – قطاراً ومحطات – على رحلة حيواتنا نحن أنفسنا..
ومن ثم رحلة بلادنا ذاتها في سكة التغيير..
وكاتب هذه السطور يشاهد المناظر نفسها؛ مذ كان (جنا)… وإلى يومه هذا..
يتغير (جنا الجداد)… ولا يتغير الهتاف..
وهو يتغير جلده… فشكله… فملامحه؛ ولا تتغير مشاهداته عبر نافذة القطار..
مشاكلنا؛ فتبريرات مسؤولينا لها..
مشاكل المياه… الكهرباء… الخريف… الصيف… الغلاء… الاقتصاد..
ثم طوابير النوافذ… والمنافذ..
كل شيء يبدو له – صاحب هذه النافذة – كما تبدو له محطة الكاب..
وكما تبدو لأي مواطن آخر..
مع مراعاة فروق الأزمان… والأسفار… والمسارات… والمحطات..
والآن… الآن… الآن؛ أشاهد منظراً مألوفاً..
أو محطة مألوفة… ولافتتها العتيقة كُتب عليها (الوفاق)… وبخطٍ عتيق هو نفسه..
فتذكرت كلمةً لي بعنوان (الوفاق)..
أو الوفاق الوطني وحصان طروادة… وكان ذلك قبل نحو ثلاثين عاماً..
وإلى أن سقط نظام الإنقاذ لم يحدث الوفاق هذا..
الوفاق بمعناه الحقيقي… وليس وفاقاً مع جماعات في حجم محطة الكاب هذه..
جماعات لا وزن لها… ولا ثقل… ولا برامج..
بل ولا وجود لها أصلاً… وإنما محض لافتات… مثل لافتة محطة الكاب..
ولا هدف منها سوى الحكم..
تماماً مثل جماعاتٍ في زماننا هذا – زمان الثورة – ترفع لافتات مشابهة..
وهم أنفسهم يشابهون الذين مضوا..
الذين مضوا بمضي الزمان… ومضوا مع الإنقاذ… ثم سقطوا بسقوطها فمضوا..
ولكن ها هم يعودون للظهور مرةً أخرى..
كما تعود محطة الكاب للظهور عبر نافذة قطار الشمال دوماً..
ثم دوماً تبدو كما هي..
يعودون بواسطة طوق نجاة – للظهور – اسمه فولكر… ومعه شريكاه الإفريقيان..
ثم لا هدف لهم سوى السلطة..
حتى وإن كانت ذات صلاحيات بحجم محطة الكاب..
فالمهم ليس حجم السلطة..
وإنما حجم المخصصات… والامتيازات… والوجاهات… و(الذي منه)..
فيصبح لدينا متهافتون… ومتمنعون..
متهافتون على ثلاثية (الوفاق)… ومتمنعون عليها… وهم الراغبون..
فتمنع جماعة قحت يخفي الرغبة..
وكلا الجماعتين هاتين يجمع بينهما قاسم مشترك (أعجب)… هو الخوف من الانتخابات..
ومن كان بحجم الكاب حق له أن يخاف..
سيما جماعة قحت الذين ذاقوا حلاوة الحكم بلا ثمن… ولا جهد… ولا وزن..
ولا محك صناديق اقتراع طبعاً..
ولكن الأعجب من قاسمهما المشترك هذا (خوف) الحاكمين الآن منهم..
أو على الأقل؛ منحهم أكثر مما يستحقون..
فهم لا يستحقون ما يعادل حجم الكاب اهتماماً… ولا التفاتاً… ولا نظراً عبر النافذة..
ولو كانوا يمتلكون الشارع فعلاً لما خافوا..
لما خافوا من الاستحقاق الانتخابي… وأحبوا فترة انتقالية في طول قطر الشمال..
ولكن من يقنع الحاكمين الآن بضآلة حجمهم هذا؟..
فيا أصحاب (الكاب): أعرضوا عن كلا الجماعتين..
التي سقط أفرادها بسقوط البشير..
والتي سقط رموزها بسقوط قرارات تصحيح المسار على رؤوسهم..
وإلا فقدرنا أن ننظر عبر نافذة القطار دوماً..
فنرى المحطات العتيقة نفسها… ونسمع هتافات (جنا جداد) المعتقة ذاتها..
ولا ننعتق من تكرار أخطائنا..
سيما تكرار النظر إلى تلك التي استعصت على التغيير..
الكاب!!.