8يونيو 2022م
ولي معه قصص..
فليس غراباً واحداً؛ وإنما عدة غربان… وأول قصة لي معه كانت في المرحلة الابتدائية..
كان معنا زميل شقيٌّ كنيته غراب..
ويسعدنا بقدر ما يشقينا الحساب… وأستاذه… وسيطانه؛ سيما حين تكون هنالك ليلة أدبية..
فقد كان يجيد التمثيل الكوميدي بأفضل من يونس شلبي..
أو – على الأقل – يُضحكني أنا بأكثر مما أضحكني الثاني هذا في مدرسة المشاغبين..
ولا يُنافسني في ضحكي هذا منه – وعليه وفيه – إلا زميلنا كُنَّة..
وبسبب ضحكته المجلجلة أحببته هو نفسه… وبت أترقبها كلما اعتلى الغراب المسرح..
ومن غرائب أفعاله – ومضحكاتها – مسح وجهه بالرماد..
مع أن وجهه هذا ما كان يحتاج إلى ما يزيده غُبرةً… فهو مغبر – أصلاً – في لون الغراب..
ثم تضاعف حبي لغراب – والغراب – بقصيدةٍ عن الغراب..
أو عن ذكاء الغراب؛ ويقول مطلعها:
رأى الغـرابُ جـبنةً في دارِ
لبعض قـومٍ من ذوي اليسارِ
وتبع ذلك قصة أخرى عن ذكاء الغراب – في المُقرّر الدراسي – وقد كان يبحث عن الماء..
فعثر على جرةٍ ماؤها في قعرها… لا يبلغه منقاره رغم طوله..
فطفق يلتقط حصى من الأرض ويُلقي به إلى داخل الجرة حتى ارتفع مستوى الماء فشرب..
وفي عطبرة قرأت رواية لأمين يوسف غراب..
فأحببت الرواية… وكاتبها… واسم غراب؛ رغم إني لم أقرأ له قصةً سواها إلى يومنا هذا..
وتطول قصصي مع الغراب.. ومع حبي له..
بل ومع كل ما يتطيّر منه الناس – جهلاً – من حيوانات… وأطيار… وأرقام… وأوقات..
كقول جرير عن الغراب:
هذا هوىً شغف الفؤاد مبرِّحٌ… ونوىً تقاذف غير ذات خلاجِ
إن الغراب بما كرهت لمولعٌ….. بنوى الأحبة دائم التشحاجِ
وكتبت من قبل عن جمال البوم… وروعة الدجى… وحُسن سود القطط… وبراءة الرقم 13..
والآن تُكتب على صفحة حياتي قصةٌ جديدة عن الغراب..
أو كُتبت قبل فترة؛ في خواتيم عهد حكومة حمدوك؛ واليوم نُسدل الستار على خواتيمها..
خواتيم حكايتي مع الغراب..
فقد كان نصحني – أو ظن إنه ينصح – قارئٌ بأن لا أصير غراب بين للحكومة الانتقالية..
هل قلت الانتقالية؟… عفواً؛ أعني الانتقامية..
في حين أن النصح هو هذا الذي يأتي من تلقائنا… قبل أن يغشى صباحنا دجى كالح..
فيعقبه ضحى نستبين فيه النصح… بعد فوات الأوان..
ثم نصحته هو نفسه بأن يبدل نظرته للغراب؛ فلا علاقة له بالبين… ولا الشؤم… ولا العِيافة..
بل إنّ القرءان ذاته أشار إلى ذكاء الغراب… وحسن صنيعه..
وبالمناسبة – قلت له – ربما أنا كما قلت فعلاً؛ حين أُريكم كيف توارون سوءة حكومتنا..
وفعلاً ماتت الحكومة عقب ذلك بقليل..
فلم يُحسنوا حتى دفنها كما غراب قصة هابيل وقابيل؛ ولا ممارسة فضيلة الصبر الجميل..
فما زالوا ينوحون… ويثكلون… ويولولون..
فهل كُنت ناصحاً؟..
أم غــــراباً!!.