سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع
اسماعيل الإعيسر.. الشاعر المظلوم!!
شاعر من طينة التجديد:
في زمن العادية والمفردة الكلاسيكية.. يطل الشاعر اسماعيل الإعيسر بقاموس جديد في كتابة الشعر.. قاموس يحتشد بالمفردة الواقعية والبسيطة.. فهو شاعر من طينة التجديد والابتكار والخروج عن النمط المستهلك من كتابة الشعر.. واسماعيل الإعيسر شاعر له مفردته الكتابية الخاصة ذات الطعم المغاير الذي لا يشبه الآخرين.. فهو شاعر تأخذ المفردة عنده مساحات وبراحات شاسعة ويحشدها بالكثير من الوسامة والجمال.. وتمرد الإعيسر في الكتابة قاده لمنطقة الجنون المطلق والرمزية المشروعة حتى أصبح أبرز الشعراء المجددين في هذا الزمن.. وملامح الجدية التي تكتنف تجربة الإعيسر الشعرية يمكن تفسيرها على وجه واحد وهو عدم استسهاله لقضية الشعر.. فهو تناول الأمر بكل جدية وابتعد بنفسه عن المكرور من أشكال الكتابة.. وهذه الميزة جعلته كمن يعيش في برج عاجي بعيدا عن المطروح من الشعر الغنائي التقليدي.
نوع من التجريب:
اسماعيل الإعيسر لا يستعجل الأشياء ويمكن أن نقول بأنه أهدر زمناً كبيراً في سبيل البحث عن وسيلة حتى تخرج كتاباته لأنه ظل يكتب ولمدة تتجاوز 15عاما ولم تخرج النصوص الا بعد هذه الفترة الطويلة ولكن رغم ذلك استفاد منها في تجويد الشعر حتى يخرج متماسكاً وقوياً.. وما يفعله في الكتابة الشعرية هو نوع من التجريب.. وهو يؤمن بمفردات ابداع لا يعني التكرار.. والابداع في تقديره هو الابتكار.. وهو أن تكتب شعرا مختلفا لا يشبه.. وهناك فيلسوف له مقولة تطربني جداً (قل كلمتك وامضي).. وهو يريد أن يؤسس لفكرة البصمة حتى يصل بالناس حينما يسمعون قصيدة أن يقولوا هذه القصيدة من كلمات اسماعيل الإعيسر حتى ولو لم يكتب اسمه عليها.. وهذا التفكير يحتاج لاجتهاد كبير (وشوف كويس وسمع ومعرفة جيدة بالعالم الذي حوله وكل الحياة).
الكتابة الرمزية:
من أكثر الأسباب التي حدت بتجربة الإعيسر الشعرية هو الكتابة الرمزية.. وهذا النوع من الكتابة الشعرية رغم أنه ظهر باكراً في الغناء السوداني.. ولكنه لم يزل حتى الآن لا يجد زبائنَ كثرا.. وربما طبيعة تكوين المجتمع السوداني التي ترفض الغموض حالت كثيراً من اندياح تجارب مثل تجربة اسماعيل الإعيسر.. ولكن له تبريره الخاص في ذلك “الكتابة الرمزية هي ربما تكون لأن كاتبها أراد أن يخفي أشياء”.. والرمز في كل شئ أصبح في ذات نفسه شكلا جماليا.. والرمز في تقديري هو قصيدة تنهي بعد القصيدة.. والرمز أصبح له وظائف أخرى لأنك يمكن عبره أن تجعل القارئ يشترك في كيفية الحل.. وهذا نوع من المتعة الكبيرة بالنسبة للكاتب.
أغنية تستحقي:
بتقديري الخاص أن اسماعيل الإعيسر شاعر غير محظوظ.. وهذا يتمثل تماماً في نص أغنية (تستحقي).. وهي من القصائد الفارعة والزاهية التي كتبها وأعجب بها الراحل محمد وردي وأراد أن يغنيها ولكنها ظلت محبوسة عنده ولم تخرج مطلقاً للمستمعين.. وعن حكاية هذا النص قال الإعيسر (تستحقي هو نص كان محظوظ عموماً وهذا النص وصل للراحل لمحمد وردي بشكل غريب عن طريق الأخ خالد الفنوب هو صديق وردي وكان مصراً على أن يغني هذا النص محمد وردي فقط.. والراحل وردي قال بأنه قرابة الـ25عاماً لم يسمع نصاً بجمال تستحقي وهذه شهادة كبيرة من فنان كبير.. ولكن مع الأسف لم يكمل محمد وردي تلحين الأغنية ورحل قبل أن يقدمها للناس.. وتستحقي كان بالفعل ستكون جسرا كبيرا حتى أعبر به للناس).