خطوة موفقة، تلك التي شرع فيها المجلس العسكري الانتقالي بتسمية لجنة للاتصال بالحركات المسلحة التي آلت رئاستها للفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس، وعضوية رئيس اللجنة السياسية ونائبه وعضوية ضابط آخر برتبة اللواء، ذلك أن ملف السلام وتجاوز معضلة الحرب بجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور من شأنه أن يرفع أثقالاً ثقيلة عن كاهل البلاد أن تم التوصل إلى اتفاقات نهائية وشاملة وفاعلة بعيدًا عن نهج التجزئة، وأخذ الأمور بالحلول الثنائية التي عادة ما تجلب فصيلاً وتترك كتلة خلفها يتولد عنها لاحقاً دمل جديد على وجه الوطن المرهق.
وملاحظتي مع هذا التقدير بحسن الإجراء أن التشكيل يجب أن يتسع لعناصر مدنية ذات خبرات وثقل يسند العسكريين في مساعيهم؛ ووجاهة ذلك تقوم على بُعديْن، الأول أن قضية السلام لها امتدادات ــ بجانب الشق الأمني ــ إلى الجوانب الأهلية والسياسية والمجتمعية، فضلاً عن الجوانب الخاصة بالدبلوماسية والإعلامية، فإلى جانب نطاقات موضوعات التفاوض هناك مساحات للعون المدني، يجب أن تُمثَّل في اللجنة بشكل مناسب، لتتكامل الجهود الرسمية والشعبية بشكل منسجم يعزز فرص النجاح ويدعم حظوظ التسوية والرضاء العام.
كذلك، ولظروف تعقيدات الشواغل الأخرى؛ السياسية والتنفيذية للمجلس العسكري قد يكون عسيرًا حال الشروع في ترتيبات حوار وتفاوض، وفي أمور من المؤكد أنها لن تنجز مع الحركات المسلحة في جلسة أو جلستين سيكون عسيراً توفّر الوقت والتركيز لشغل نصف عضوية المجلس العسكري بتلك الأنشطة خاصة مع مقتضيات أن التفاوض قد تتطلب التفرغ لجولات بالداخل والخارج واتصالات وبرامج تمتد ربما حتى للمناطق الثلاث داخل البلاد، أو شبكة تنسيق مع مُسهِّلين ورُعاة وشهود سيكون من المرهق إدارة كل أمرهم بتكاليف على عاتق المجلس العسكري، الذي أمامه جبال من الهموم والتحديات والتقلبات في الأوضاع الداخلية، وحشود خصوم لن يتركوه بلا مشاغلات.
ولكل هذا، فمن الأسلم توسعة اللجنة، بل ومنح شخص مدني مفوض من المجلس صلاحية الإنابة وتكليف المباشرة وإدارة الملف بالتزامن مع رئيس اللجنة نائب رئيس المجلس العسكري؛ مع أمر آخر شديد الأهمية يتمثل في عدم تجزئة الملف بمعنى توحيد التفويض ليشمل مسار دارفور والمنطقتين مع الاحتفاظ لكل مسار بخصوصية إجراءاته وتدابيره في المطروح والمتاح للحلول؛ مضافاً إليه تجنّب أفخاخ بعض الجهات الخارجية التي احترفت تحويل القضايا السودانية ومقترحات حلول النزاعات إلى (نقّاطة) وفرص للتوظيف السياسي لبعض الزعماء الأفارقة ومعاشيي الحكومات.