3 يونيو 2022م
على طريقة الرسم بالكلمات!!
(1)
لا يختلف اثنان على أن الفنانة نانسي عجاج واحدة من أجمل الأصوات التي ظهرت في الساحة الفنية مؤخراً ..فهي فرضت نفسها كمطربة من خلال تجربة جادة ابتعدت عن الشكل التقليدي لغناء البنات ، وكونت لنفسها شخصية فنية مغايرة من خلال طرح غنائي يتسم بالتطريب العالي ..لذلك لم تجد نانسي صعوبة كبيرة في الوصول لوجدان المستمع السوداني والذي بدوره تقبلها بكل ترحاب كبير.
رغم كل الجماهيرية الطاغية التي حقّقتها نانسي في فترة وجيزة بحساب الزمن والتجربة وما ظلّت تعانيه من إشكالات مُجتمعية ساهمت كثيراً في تحجيم تجربتها للانطلاق في براحات أكثر رحابة ولكن نانسي فنانة بلا جديد يُذكر في مسيرتها الحالية وليس مسيرتها ككل ..فهي بحسابات الجماهيرية يمكن أن نقول بأنها وصلت القمة ولكن المؤسف أن نانسي بدأت تفقد اشتراطات البقاء في القمة.
ظلت نانسي في كل حفلاتها الجماهيرية أو لقاءاتها التلفزيونية تحصر نفسها في عدد معين من الأغنيات..حتى أصبحت من المحفوظات ..أغنيات بعينها ظلت تلوكها حتى أصبحت ماسخة ومائية الطعم واللون ..والشيء الأكثر غرابة أن معظم تلك الأغاني هي من الأغنيات المسموعة وليست من أغنياتها الخاصة ..وواقع الأمر يقول ان رصيدها الغنائي الخاص من حيث التأثير بلا وجود أو حضور ذلك إذا استثنينا أغنية ــ بلداً هيلي أنا ـ وحتى هذه الأغنية تغنت بها من قبل فرقة الهيلاهوب.
(2)
الفنان الكبير الطيب عبد الله فرض مدرسته الغنائية ذات الحزن الخاص وأصبح في زمان ما هو الناطق الرسمي باسم كل الحزانى والعشاق، أغنياته كانت تعبيرا حقيقيا عن صدق الشعور واحتشاد العاطفة البريئة في أغنياته التي كانت تعبر عن تجاربه الشخصية في الحياة، وذلك الصدق واقعيته كان سبباً في أن تكون كل أغنياته جزءا من الحياة اليومية السودانية.
وحزاينية الطيب عبد الله أكثر ما تتضح في أغنيته الكبيرة “السنين” ويتجلى في ” يا غالية يا نبع الحنان” ويمتد الى “فتاتي”، ولكن غياب الطيب عبد الله الطويل عن أرض الوطن جعل غنائيته في حدود ضيِّقة ولا تجد مثل ذلك الانتشار القديم. والطيب عبد الله الذي يتواجد الآن بمدينة جدة هو من أصول يمنية، حيث إنّ والدته سودانية ووالده يمني.. ولكنه رغم ذلك الانشطار سوداني كامل الدسم والأوصاف.
الدكتورة نعمات حماد هي فصل مثير وعامر بالأحداث في حياة العملاق الفنان الطيب عبد الله.. ولكننا نأتي من الآخر كما يقال ..ففي العام 1967م تزوجت نعمات من الفنان المعروف الطيب عبد الله وتقول إنها عاشت زواجاً سعيداً أثمر هذا الزواج عن طارق وهو طبيب مقيم في بريطانيا وإلهام طبيبة مختصة في البكتيريا. وتقول إنه كان زواجاً سعيداً ولكن توقف أو بالأحرى توصّلا إلى قرار الانفصال لأسباب بعضها خاصة وبعضها عامة ولقد دفعت ثمناً باهظاً جراء هذا الطلاق بحكم أنهما زوجان مشهوران، حيث كان مرتعاً للعديد من الشائعات.
(3)
حفلت مسيرة الأغنية السودانية بالعديد من الأسماء التي شكّلت وجدان الشعب السوداني.. وبعض هذه الأسماء رحلت باكراً ولم يتسن للناس سماعها جيداً والتوغُّل في تجربتها.. ومن بين هذه الأسماء يطل اسم الفنان عمر أحمد صاحب الأغنية الشهيرة (كان بدري عليك) التي كتبها ولحّنها المبدع الراحل عبد الرحمن الريح .. وهو يعتبر من أكثر الشخصيات السودانية التي ساهمت في تقديم العديد من المبدعين والقائمة التي قدمها يطول حصرها.
“عمر أحمد”، هذا الفنان الذي رحل في مقتبل صباه. ولعل الأهم في هذا الجانب أن صوت “عمر أحمد” خلّدته فقط أسطوانة أغنية “كان بدري عليك”، التي شاء الحظ أن تتولى الإذاعة السودانية، عند انتقالها إلى مبناها الحالي في عام 1957م، نقلها من جهاز الفونوغراف إلى شريط التسجيل، أُسوةً بما أدركه الحظ من أسطوانات غناء “حقيبة الفن”، رغم أنه من الواضح أنّ الصوت الذي يؤدي أغنية “كان بدري عليك” التي أُضيفت إلى موقع الإذاعة السودانية هو صوت الفنان الراحل “خليل إسماعيل” وليس “عمر أحمد”، وقد ساهم الفنان المقتدر “أبو عركي البخيت” في نشر هذه الأغنية وسط جيل الشباب بأدائه المتميز لها.
للفنان “عمر أحمد” أغنيات أخرى لم يدركها التسجيل، أو نقول إن توخّينا الدقة أنّها ربما سجلت في أسطوانات، كما كان الوضع في الإذاعة عام 1948م، لكنها لسببٍ أو لآخر لم تنقل إلى الأشرطة.
ويقول الأستاذ طارق الحسن ستبعد أن “عمر أحمد” سجّل أكثر من أغنية مع “كان بدري عليك”، لأنّ مكتشفه وشاعره وملحنه الأستاذ “عبد الرحمن الريح” اعتاد أن يزود المطربين النشء بما لا يقل عن ثلاث أغنيات لتسجيلها للإذاعة. هكذا فعل، على سبيل المثال، مع الفنان الذري “إبراهيم عوض” الذي قدّمه إلى الإذاعة عام 1953م.