لص المياه!
*قَبل فترةٍ، استمتعت أيّما استمتاعٍ وأنا اقرأ تحقيقاً مُهمّاً نُشر بإحدى الصحف إن لم تخنِّي الذاكرة فإنّها “الصيحة”، حول شجرة الدمس والذي جاء وقتها بعنوان: (ليلة القبض على لص المياه).
*مبعث الاستمتاع كان من الضخ الهائل للمعلومات والحقائق حول هذه الشجرة العَجيبة والتي حَوَاها التحقيق والتي جاءت في أسلوبٍ سلسٍ ومُسترسلٍ.
* كأنت أبرز إفادات التحقيق، أنّ الشجرة المَغضوب عليها من قِبل هيئة المياه دخلت السودان قبل 18 عاماً كنشاطٍ فردي بغرض إنتاجه وفق (عملية تجارية بَحتة)، فقد تَمّ إدخال الدمس في العام 1997م وكَانَ الغَرض منه التّسوير والزينة، وقد تمّت الاستفادة منه في هذا الجانب.
* التحقيق وَصَلَ لحقائق مُهمّة تُبيِّن العشوائية التي تَضرب أطناب المُؤسّسية، حيث إنّ مثل هذه الشجرة (غير الحميدة) قد دخلت البلاد وتكاثرت دُون مرورها بأيِّ أبحاثٍ زراعيّةٍ لمعرفة فوائدها ومَضارها وسواء كانت مُلائمة للزراعة في السودان أم لا؟!!.
*والدمس لمن لا يَعرفون خُطورته فهو يُشابه شجر المسكيت من حيث الخُطُورة في تعدِّيه البالغ على مَواسير المياه ودُخُولها وتكوين ألياف داخلها وامتصاص المياه بالكامل منها، مِمّا أدّى إلى الإضرار البالغ بالإمداد المائي للأحياء المُختلفة والمُواطنين.
*ويتميّز الدمس بالخُضرة الدائمة طوال العام، حيث لا تتساقط أوراقه بتاتاً، كما له مقدرة كبيرة على مُقاومة أمراض التفحُّم المُميتة التي تُصيب الأشجار وليس لها علاج، بل تقتل الشجرة المُصابة، ولكن الدّمس يتفوّق على هذه الأشجار بمُقاومة مَرض التّفحُّم هذا.
*إذن ما يُميِّز الدمس أنّها شجرة (مُتكاثرة)، حيث يُمكن إنتاج آلاف الأشجار منها من خلال الورق أو الفروع وهذا السبب تحديداً جعلها تنتشر بصورةٍ كبيرةٍ مِمّا سَاهَم كذلك في رخص ثمنها حيث تُباع (شتلتان) منه بجنيهٍ واحدٍ فقط.
* هذه الشجرة هي الآن العدو الحقيقي لعُمّال هيئة المياه، فهي بحسب إفَادَات المسؤولين، المسبب الرئيسي لشُح المياه الذي يضرب الخرطوم وضواحيها هذه الأيام بتعدِّيها على مواسير المياه وقفلها بسبب نُموِّها السريع، حيث تحتاج إلى الغذاء والمياه باستمرارٍ.
*ولهذه الشجرة – بحسب إفادات التّحقيق – (تكنيكٌ شيطانيٌّ) في الحُصُول على المياه، حيث تبحث جُذُورها عن مصدر المياه الرئيسي وترسل جُذُورها للخَط الرئيسي إلى أن تصل إليه عبر شُعيرات جَذرية لا تُرى بالعَين تَلتف حَول (الجلبة) التي تَربط بين المَواسير وتتحوّل هذه الشعيرات الجذرية إلى مجموعٍ جذري قوي جداً يشبه (الليف) حَال وُصُول رأس الشعيرة إلى المياه يملأ الماسورة كأنه ثعبان أو أَصَلَة ويذهب داخلها إلى أن يغلقها تماماً ويرسل المياه إلى الشجرة الأم، هذا هو التكنيك الشيطاني الذي تتبعه هذه الشجرة في سبيل الحصول على المياه.
*ليس بسبب الدمس وحده (تختفي) مياه الخرطوم.. هذه حقيقة مُهمّة أبرزها التّحقيق باعتراف مسؤول في هيئة المياه الذي أشار إلى أنّ (25%) من مشاكل شُح المياه تسّببت فيها شجرة الدمس.. إذن السؤال الذي يفرض نفسه هنا الـ(75%) من تلك الأسباب من يقف وراءها؟
*الواقع يقول إنّ قُطُوعات مياه بالخرطوم وشُحها ملفٌ ساخنٌ ينتظر الوالي الجديد الفريق الركن أحمد عبدون حماد، الذي تجري الآن تحت قدميه مياه ملفات كثيرة، ولكن يبقى ملف مياه الشرب ملف (دامس).