عبد الله مسار يكتب : الحزب الشيوعي في مرمى القانون (٥)
2 يونيو 2022م
قلنا في مقالاتنا الحزب الشيوعي في مرمى القانون (١) و(٢) و(٣) و(٤)، إن الحزب الشيوعي حزب قديم، قليل التجديد وقليل العضوية، واغلب عضويته مثقفة، وبطريقة أدق نقول متعلمة، وقلنا إن لديه صدارة في الأحزاب الشيوعية في مُحيطنا الإقليمي وفي الفضاء العالمي، وقلنا إنه كان في المركز الثاني بعد الإيطالي، وقلنا إنه أقرب الى التنظيم العسكري وهو يُجيد المعارضة وليس له حظٌ في الحكم، لأنه يملك شعارات أغلبها تتعارض مع رغبة اغلبية الشعب وخاصة العلمانية وفصل الدين عن الدولة والتغيير الثوري خارج صندوق الانتخابات، وقلنا إنّه حزب لا ينجح في العمل السياسي المشترك والتشاركي وهو حزب إقصائي كل تجاربه في التحالفات فاشلة من الجبهة المعادية للاستعمار حتى ابريل ٢٠١٩م، وقلنا إنه يجيد تغويص أعضائه عبر التنظيمات الأخرى وخاصة الأحزاب الطائفية التي عضويتها غير محددة، وقلنا إن وجوده كيف وليس كماً وهو حزب عجوز قيادة وفكرة وبعض عضوية.
وقلنا إنه حزب يجيد العمل الثوري ومُعارضة الأنظمة شمولية او ديمقراطية، لأنّ مشروعة قائمٌ على التغيير الجذري للسلوك المجتمعي وخاصةً وسط المجتمعات المتدينة تقليدياً أو سياسياً، وقلنا إنّه قاد النضال الثوري ودفع أثماناً باهظة في ذلك منذ الاستقلال ولكن لا يستفيد من النتائج حتى عندما قام بانقلاب مايو انقلب على نظامه ودفع ثمن ذلك كثيراً جداً. هذا من حيث التقييم العمومي وهنالك الكثير الذي يمكن ان يُقال لصالحه وضده.
أما زيارة جنوب السودان وكاودا ولقاء عبد الواحد والحلو والاتفاق معهما، أهم ما جاء في الاتفاق، إنشاء جسم تنسيقي في الخرطوم للتغيير الثوري لانقلاب البرهان وتنفيذ الدولة العلمانية القائمة على فصل الدين عن الدولة وبالطرق السلمية حسب ما قالوا في المؤتمر الصحفي وإقامة دولة مدنية كاملة خارج صندوق الانتخابات.
إذن كيف لحزب سياسي محدود العضوية وقليل التحالفات أن يحدث هذا التغيير سلمياً، اذا كان ذلك عبر التظاهرات فهو ليس حزباً جماهيرياً منتشراً، وأيضاً وجوده في الخرطوم محدود حتى ولو كان له وجود في لجان المقاومة في كل من العباسية وشمبات وجنوب الحزام وفي الحاج يوسف وشخص أو شخصان في بري، وكذلك النشاط الواسع لتنظيمه في الخرطوم.
أما إذا كان ذلك بالتنسيق مع عضوية الحركتين في الخرطوم، صحيح أن عبد الواحد لديه وجود في الخرطوم ولكن من صفوة متعلمة ومحدودة واغلب العناصر معروفة للاجهزة الأمنية لأنها تنتمي لإقليم بعينه وكانت حضورا في الجامعات، اما عبد العزيز الحلو فوجوده محدودٌ جداً.
أما إن كان يريد ان يحدث التغيير بحراك ثوري مسلح او انتفاضة محمية، فهو يضع نفسه في مواجهة مع الاجهزة العسكرية الرسمية ومع خصومه في الحركة الإسلامية وكذلك مع القانون من آخرين ليست لهم مصلحة أن يصل الحزب الشيوعي والحركتان للحكم، وتجربة د. خليل لن تتكرّر لأن الخرطوم الآن بها عدد من الجيوش ومنها الدعم السريع وقوات الحركات الموقعة على السلام وهي ليست على ما يرام مع الحزب الشيوعي، وكذلك الحراك الثوري السلمي ليس كامل الدسم لأنه على خلاف مع الحرية والتغيير المركزي.
وأيضاً لا يمكن أن تتكرّر تجربة ثورة ابريل وتغيير الإنقاذ، لأن التغيير في الإنقاذ تم تراكمياً وكذلك بعمل داخلي من الإنقاذيين أنفسهم قوّضوا نظامهم لصراعات داخلهم أكثر من العمل المعارض المُباشر وللمُجتمع الدولي دورٌ كبيرٌ في ذلك، اما اذا يود الاعتماد على الشعب، فإنّ الشعب ملّ حكومة وأحزاب وجماعات ما بعد التغيير في أبريل، لأن تجربتهم كانت فاشلة في كل شيء (انفراط أمني وضعف في الخدمات وغلاء معيشة وتفسخ مجتمعي وأخلاقي) وأذاقت الشعب الأمرين، وخاصّةً فترة حمدوك و”أربعة طويلة”، والحزب الشيوعي ليس بعيداً عن ذلك ولو ادّعى غير ذلك، لأنه سكّن اغلب عناصره في الوظيفة العامة وما زالت موجودة في كل مفاصل الدولة وخاصة في الصحة والتعليم وأغلب الوظائف الدسمة وكان شريكاً في كل ما تم ولو غير مباشر.
أيضاً لا يستطيع القيام بانقلاب من عناصره داخل المؤسسة العسكرية بالتضامن مع الحركتين كما حدث في مايو ١٩٦٩م وان كان هو يصر على إبعاد العسكر من الحياة السياسية مخادعة وتمثيلا أو صحيحا.
إذن من خلال تحليل أمين ودقيق ليس هنالك فرصة لتنفيذ ما اتفق عليه مع الحركتين، عن طريق الحراك الثوري والمظاهرات أو عبر عنف ثوري أو عبر انتفاضة مُسلّحة ومحمية أو تغيير بتدخُّل خارجي لأنه يتعامل منظمات وناشطين وليس حكومات، حتى روسيا أم الشيوعية لا يحكمها الحزب الشيوعي او حتى بانقلاب عسكري (نقي او مشترك).
هُنالك ملاحظةٌ مهمةٌ أنّ القبائل والطرق الصوفية والتجمُّعات الدينية من خارج التيار الإسلامي السياسي قوي جداً، لأنّه تجربة ما بعد الثورة وضعف الأحزاب جعلت هنالك ردة سياسية عنيفة قوت القبائل والنظام الأهلي والمجتمعي والديني، فمثلاً الناظر تِرِك أو مادبو أو الدينقاوي سيسي أو الشيخ الطيب الجد وغيرهم من الزعامات الدينية والأهلية صارت أقوى بكثير من الاحزاب السياسية بما في ذلك التقليدية.
إذن حظوظ الحزب الشيوعي والحركتين لتنفيذ ما اتّفق عليه ضعيفٌ جداً او معدومٌ عبر كل الوسائل المذكورة.
أعتقد أن الحزب الشيوعي لديه تقديرٌ غير حقيقي لحجمه (تفخيم زايد) وهو يتحرّك في فضاء كبير، ولكن النتيجة محدودة جداً وأخشى أن يكون لديه وهمٌ تضخيميٌّ سياسيٌّ وثوريٌّ أكثر من أنّه عمليٌّ وواقعيٌّ.
ولكن يحمد للحزب الشيوعي أنه أكثر حراكاً وعملاً من زملائه معارضي نظام الإنقاذ ومن أحزاب قحت بما في ذلك حزب الأمة القومي، وكذلك محدد أهدافه وأهمها ابعاد العسكر عن الحياة السياسية والحكم وتطبيق مشروعه الثوري العلماني وإقامة دولة مدنية يبعد عنها الدين على مزاجه.
وأيضاً بعض مواقف مُعارضة للتدخل الأجنبي الذي يتبنى الهبوط الناعم أو التعاون مع العسكر أو الأحزاب الدينية أو الفلول كما يسمونهم.
على العموم، برنامجه وأهدافه واضحة ولكن كيف يحقق ذلك هو المحك، (لأن السياسة السودانية صار ما خفي فيها أعظم). إذن زيارة جنوب السودان وكاودا واتفاقية الحركتين والحزب الشيوعي تجارة برأسمال كبير ولكن بربح قليل.!