تقرير: محيي الدين شجر 2 يونيو 2022م
إذا كانت الحروب في العالم الأكثر تسبباً للوفاة والموت؛ فإن الغرق في باطن النيل أو البحر الأحمر الأكثر تسبباً للموت في السودان، حيث أفقده المئات من شبابه وأبنائه ونسائه، مخلِّفاً حسرة وأسى على تلك الأرواح.
وبالرغم من أن الإحصاءات تشير إلى انخفاض عدد المتوفين غرقاً في العام 2020م، مقارنة بالعام الذي قبله 2021م، إلا أن هذا العام 2022م، شهد زيادة في حالات الغرق، حيث ربط المختصون وفيات الغرق بدرجات الحرارة المرتفعة التي ضربت السودان خلال شهري أبريل ومايو، وجعلت الشباب يلجأون لنهر النيل وبخاصة في شهر رمضان الماضي، الذي تكشف إحصائياته إلى غرق نحو (40) شخصاً.
فلماذا يغرقون في السودان، وماهي أكثر المناطق التي يمكن وصفها بأنها مناطق خطرة للسباحة، وكيف ينظر الدفاع المدني لحالات الغرق في السودان، وماهي جهودهم؟
إحصاءات
العميد المطري أحمد المطري، الناطق الرسمي للمجلس القومي للدفاع المدني عزا تدني نسبة الغرق في العام الماضي، إلى التطوُّر الكبير في معدات الإنقاذ النهري في السودان وإلى الحملات الإرشادية التي يقوم بها الدفاع المدني، وأشار في حديثه لـ (الصيحة) إلى الجهد الكبير الذي يقوم به الدفاع المدني في مجال الإنقاذ النهري.
وقال العميد المطري لـ (الصيحة): إن الجهود الكبيرة لإدارة الإنقاذ النهري واستجلاب عدد كبير من المعدات ساهم في تخفيض عدد وفيات الغرق من (359) غريقاً، في العام 2020م، إلى (251) حالة غرق، في العام الماضي 2021م.
وأوضح أن الخرطوم وحدها شهدت في العام 2020 – (186) حالة غرق، الجزيرة (5) حالات، الشمالية (10) حالات, القضارف (9) حالات, البحر الأحمر حالة واحدة، وفي العام الماضي، 2021م، إبان أنه شهد (251) حالة غرق، منها (157) حالة غرق، بالخرطوم. وذكر أن الجزيرة حلَّت في المرتبة الثانية بعد الخرطوم بغرق (74) شخصاً، ثم البحر الأحمر وبقية الولايات.
وحسب مختصون وخبراء في مجال الإنقاذ النهري لـ(الصيحة) فإن معظم حوادث الغرق تقع في عطلات المدارس وفي الرحلات التي تقوم بها الأُسر وفي فصل الصيف.
وقالت إدارة الإنقاذ النهري لـ(الصيحة): إن شهر مايو 2022م، شهد (30) حالة غرق، وتم العثور على (13) جثة طافية .
أماكن خطرة
ويقول الملازم أمير فاروق، بإدارة الإنقاذ النهري، إنهم مهتمون بتحديد أماكن السباحة الآمنة والمناطق الخطرة لتنبيه الناس بعدم الذهاب إليها، وقال لـ(الصيحة): إن الغرق يكثر في فصل الصيف وفي زمن إجازات المدارس، كما يكثر في المناسبات والرحلات في الأُسر التي تحاول الترفيه، وقال: في فصل الخريف وزيادة البحر لا توجد منطقة آمنة، لا في النيل الأبيض ولا النيل الأزرق ولا في نهر النيل، وذكر أن المناطق الآمنة هي: منطقة ساحل بري والشجرة ومنطقة بيت المال، وذكر أنهم في كل عام يحدِّدون بعلامات حمراء المناطق الآمنة، وتربط حبال بطول الأطفال، ولكن الممنوع في السودان مرغوب، ودائماً يتخطون الحواجز التي نضعها وتحدث حالات الغرق.
فيما أوضح أن مناطق السباحة الخطرة في الحلفايا والمنارة واستوب السيسي والموردة وشمبات المرسى والحملة في الشجرة وسوبا شرق وسوبا غرب والجريفات وكبري المنشية شرق وغرب ومنطقة جبل أولياء السياحية والسبلوقة والشيخ الطيب والجيلي والجزيرة أسلانج، وأضاف بأنها مناطق يرتادها الناس كثيراً ويحدث فيها الغرق باستمرار.
وتحدَّث الملازم فاروق، الذي أمضى (31) عاماً، في الإنقاذ النهري عن المدة التي يقضيها الجثمان في الماء، وذكر أن بقاء الجثة تحت الماء تكون على حسب حجم البنية الجثمانية، مضيفاً: في الصيف يأخذ ثلاثة أيام، وفي الشتاء عشرة أيام، إلى خمسة عشر يوماً، نسبة لعدم تحلُّل الجثة، وأوضح أن بعض الجثث تخرج في 24 ساعة، وأخرى في 48 ساعة، وقال: إن بعض الجثث تدفن بالرمال المتحرِّكة وأنهم يجدوا صعوبة في العثور عليها، مبيِّناً أنها تتعرَّض للدفن لحظة غرق الإنسان. مشيراً إلى أن كل الجثث في حال عدم العثور عليها تنتقل إلى منطقة السبلوقة في حدود ولاية الخرطوم، إذا تم الغرق في النيل الأبيض أو الأزرق أو نهر النيل.
إجراءات الدفن
وأشار عقيد شرطة الخطيب جاد الرب، مدير الإنقاذ العام النهري والبري إلى إجراءات قانونية يتبعونها في حال وجدوا جثة متحلِّلة، مبيِّناً أن كل الإجراءات تتم عبر النيابة التي تأمر بدفن الجثث مجهولة الهوية في منطقة السبلوقة.
وأوضح في حديثه لـ(الصيحة) أن الإنقاذ النهري تم تأسيسه في 1982م، ويهدف إلى الحفاظ على الأرواح والممتلكات وحماية النيل من التلوُّث وتنظيم الصيد الجائر ومراقبة خط البترول داخل النيل، وأشار إلى أنه يضم قوة كبيرة تنتشر في مواقع داخل النيل هي: السبلوقة والحتانة وشمبات وجبل أولياء وسوبا وبري والشجرة، موضحاً أنهم مستعدون على الدوام بمعيناتهم وجاهزون للقيام بأعمالهم.
وأشار إلى تطوير كبير تمَّ في الإنقاذ النهري بتوفير أسطول كامل من القوارب ومعدات حديثة وأسطول من العربات، وقال إنهم يعدون سجلاً كاملاً للشخص بعد العثور على جثته، وذكر أن لهم قوارب تقوم بالطواف على النيل بصورة مستمرة، وقال: مؤخراً تمكَّن أفراد الإنقاذ النهري من إنقاذ ثلاث فتيات، من الغرق عبر المساعد أحمد، وتم نقلهن للمستشفى،
وأشار إلى أنهم كذلك ينظِّمون صيد السمك ويراقبون القوارب خوفاً من أن تتعرَّض للغرق.
بلاغات
وقال العقيد شرطة الخطيب جاد الرب، إنهم يتلقون البلاغات، أما مباشرة من المواطن أو عبر الغرفة المخصصة لتلقي البلاغات، كاشفاً عن وجود تيم مستعد للتحرُّك نحو مكان البلاغ طوال 24 ساعة.
وفي ختام حديثه تغزَّل عقيد شرطة الخطيب جاد الرب، مدير الإنقاذ العام النهري في مقرهم، وقال إنه كان عبارة عن خيمة ثم أصبح مَعلَماً بارزاً على النيل، مشيراً إلى أنهم سيستقبلون قريباً خمسة قوارب حديثة وعوامات.