1يونيو2022م
على طريقة الرسم بالكلمات!!
(1)
الأجهزة الإعلامية التي يخاصمها ويحاربها أبو عركي هي ملكٌ للشعب للسوداني وليست مملوكة لأي نظام حاكم ..لأنها موجودة منذ أزمان طويلة وعاصرت كل الحقب السياسية جيدها ورديئها ولم يستطع أي مسؤول سياسي أن يحملها معه الى منزله مهما كان موقعه أو منصبه.. إذاعة أم درمان ظلت شامخة تراقب كل الأحداث ولكنها لم تتوقف لحظة لذهاب مسؤول كان يسيطر عليها.. والكلام ينطبق على التلفزيون كذلك.. وبتلك الفرضيات والمسلمات التي تمنح ملكية الأجهزة للشعب السوداني وليس لأي حكومة.. يجب أن يعود أبو عركي ليصدح عبرها ويغني لهذا الشعب الذي طالما أسكنه الفؤاد والوجدان.. ومن الظلم للنفس أن يبتعد أبو عركي وفي هذا التوقيت بالذات لأنّنا أحوج ما نكون لغنائيته الجادة ذات البُعد الفكري والشعوري.
ليت أبو عركي يعلم أنّ توقُّفه يفتح الباب لمُرور تجارب فطيرة مثل التي تزحم الساحة الفنية الآن والتي تمتلئ بكل أنواع الفطريات الغنائية التي شوّهت كثيراً من وجدان المستمع السوداني الذي تعوّد أن يسمع أغنيات مثل بخاف ـ حكاية عن حبيبتي ـ حلوة عيونك.. كلها كانت أغنيات ساهمت في صياغة وتشكيل وجداننا السماعي وتربّت على مفردة مُشبّعة بالجمال وجملة موسيقية تطرق على الدواخل بكل دهشة.
إنّها رسالة حب لأبو عركي ودعوة لأنّ لمحبيه ومعجبيه حتى يصدح صوته عبر إذاعة أم درمان أو تلفزيون السودان “كيتاً” في كل الذين لا يريدون له العودة مجدداً لتلك الأجهزة الإعلامية التي سوف يصل صوت عبرها لدارفور والجنوب وكل البراحات التي عطشت لصوته وتحتاجه بأن يستلف لسانها ويحكي عن أوجاعها.
(2)
قبل أن يتغنى محمد الأمين بأغنية (خمسة سنين) في العام 1984 كان قد استلم نص أغنية (حلم الأماسي) في العام 1978 حينما كان الدكتور عمر محمود خالد (طالب امتياز) وبعد تخرجه في كلية الطب جامعة الخرطوم .. في ذلك الوقت البعيد قبل 35 عاماً كان النص بحوزة محمد الأمين ولكن لم يخرجه للناس الا في مطلع العام 1997 وتحديدا في اليوم السابع من شهر يناير حيث تغنى محمد الأمين لأول مرة بأغنية (حلم الأماسي) بعد عشرين عاماً بالتمام والكمال.
قدم محمد الأمين الأغنية بمسرح نادي الضباط في ليلة شتائية ذات برد قارس كنت حضوراً فيها حيث حضرت إليها من مدينة كوستي حينما أخبرني أصدقائي بأن محمد الأمين سيغني أغنية جديدة لأنه قبلها توقف زمناً طويلاً عن إنتاج الأغاني الجديدة .. في تلك الليلة اعتلى الدكتور عمر محمد خالد المسرح وصدح بالقصيدة ثم تغنى محمد الأمين بعد ذلك .. والأغنية بالفعل كانت جديدة في لحنها وإيقاعها.
(3)
من الاغاني التي كان يؤديها عبد المعين بالعود والتي كانت تشكل الأمشاج الأولى للاغنية الحديثة ، اغنية ؛ ساكن جبال التاكا ، ولاقيته في البياح وغيرها. ثم تضافرت فيما بعد، إيقاعات محلية واجنبية مثل الفالس والسامبا والرمبا، مع ايقاع التم تم في تشكيل ما يعرف الآن بالأغنية السودانية الحديثة وعرف عبد المعين بفنان المؤتمر ، مؤتمر الخريجين. حيث لحّن وغنى له اشهر اناشيده، وهي للعلا، للعلا، وصه يا كنار، وصرخة روت دمي. وكانت تُوجّه له الدعوات من مختلف انحاء السودان لأداء هذه الأناشيد والأغاني في المناسبات الوطنية المختلفة.
في حوالي 1939 سافر اسماعيل الى القاهرة والتحق بمعهد فؤاد الاول لدراسة الموسيقى ليكون بذلك اول سوداني ينال دراسة موسيقية منظمة. ثم سافر الى باريس لاكمال دراسته الموسيقية.. وقصة النشيد الذي أخذته البحرية الأمريكية سمعتها منه شخصياً وكذلك مسجلة في أحد برامج السهرات التلفزيونية (أبيض وأسود) وهي أن المقطوعة أعطاها إلى أبو الكشافة بادنباول، وبعد فترة أتاه وقال له ان قائد البحرية الأمريكية أعجب بها ويريد المقطوعة فأعطاها إياه دون مقابل بحسب رواية إسماعيل نفسه.
(4)
ثنائي العاصمة .. حكايات من الجمال لا تنتهي مطلقاً .. ورغم التوقف القسري ولكن أغنياتهم مازالت حضوراً بيننا تتردد ويتعالى صوتها لأنها احتشدت بالجمال الدافق وكانت تتوافر فيها كل عناصر البقاء لأنها لحنياً كانت في منتهى الجدية والجدة من حيث التأليف الموسيقي والتراكيب اللحنية .. كما أن الأشعار التي تغنوا بها كانت من حدائق مختلفة ومتباينة .. لذلك جاءت كل أغنية بطعم مختلف عن الأخرى .. ولعل تجربة ثنائي العاصمة مع الشاعر الدكتور علي شبيكة هي تجربة فريدة وهي كانت من التجارب العلامات وذلك للارتباط الوجداني الوثيق بينهم .. وتظل أغنية (مع السلامة) شاهداً على جمال تلك العلاقة وهي تخرج للناس أغنية كاملة ومتكاملة من حيث بناء النص الشعري المُحتشد بالعاطفة الجياشة .. كما وضع لها السني الضوي لحناً جعلها من الأغنيات الخالدة.