31 مايو 2022م
قلنا في مقالينا الحزب الشيوعي في مرمى القانون (١) و(٢)، إن الحزب رغم عراقته وتقدُّمه وشعارات الحداثة التي يرفعها ولكن بائنٌ عليه القِدَم. أيضاً حزبٌ معارضٌ باستمرار ولو جاء بالحكومة والنظام، وأُتيحت له أربع فرص في ثورات مختلفة ولكن لم يستغلها وآخرها ثورة أبريل.
أيضاً المنهج الذي يتّبعه هو يرفض العسكرتاريا ويذهب للاتفاق مع حركة مُسلّحة، وأيضاً يرفض العسكرية ولا يعمل على إقامة الديمقراطية ولا يتحدّث عن الانتخابات.
أيضاً حزبٌ إقصائيٌّ يتحدّث عن الاتفاق مع الحركات المُسلّحة ويرفض العمل المشترك مع القِوى السِّياسيَّة والمُجتمعيَّة.
أيضاً يسعى لتغيير جذري في قيم وسلوك المُجتمع ومُعتقداتهم، في حين ذلك مُستحيلٌ في شعبٍ مُتديِّنٍ بالفطرة، أيضاً يُكرِّر كثيراً من أخطائه منذ أكتوبر ١٩٦٤م وحتى أبريل ٢٠١٩م ويدفع ثمن ذلك مُضاعفاً.
بعد قيام أبريل ٢٠١٩م، لاحت له أحسن فُرصة لأنّ غريمه التقليدي التيار الإسلامي كان في أسوأ حالاته ومُبعداً من العمل الحزبي، ولكن أراد أن ينفرد بالساحة فخسر حلفاءه ولم يُحقِّق مقاصده رغم المجهود الذي بُذل تنظيمياً وبالذات في العاصمة من قيادة الحزب في العاصمة، وأعلم هنالك شخص أو أشخاص مُفرغون لهذا الغرض.
وأيضاً هو حزب بروتاريا، ولكن حزبٌ صفويٌّ وأقرب إلى الحزب العشائري أو الرأسمالي.
هذا في إطار الشكل والمضمون، وهو لديه مواقف كثيرة مُشرفة في صراعه السياسي مع الأنظمة، ولكن يفسد هذه المواقف حال تحقيق النصر.
أمّا رحلة كاودا، فقد ذكرنا بعضاً من مَخاطرها وتَعقيدها، وهنا نُؤكِّد أنّها وضعت حزباً سياسياً في شراكة مع حركة عسكرية خارج القانون، مما يجعله في مُواجهة مع السُّلطة الحاكمة ومع مُجتمع المنطقة التي تقوم عليها ممن يُخالفونا مع دولة جارة سَبّبَ لها حرجاً ومع القِوى السِّياسيَّة التي هي نصف حليفة له وكذلك من خُصُومه الآخرين، الذين قطعاً سيزيد عداؤهم له ويكبر استعدادهم خَوْفَاً من عمل عسكري في الخرطوم، وفوق هذا نال عداء الثلاثية رغم خلافنا معها.
أيضاً كان كثير من أهل السودان يظنون أن حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد هما ذراعان عسكريان للحزب الشيوعي أو على الشمول أحزاب اليسار لأنهما يرفعان بعض شعارات اليسار كالعلمانية وفصل الدين عن الدولة، في حين أن قضايا مناطق الحركات هي التهميش وعدم التوزيع العادل للثروة والسُّلطة وقضايا المواطنة والحقوق والواجبات، وهكذا، وليس لدى العامة علاقة بأمر العلمانية وفصل الدين عن الدولة لأنها ترف نخب ومثقفين.
عليه، هذا أكد هذه المقولة وجعلها حقيقة ولو ظاهرياً وقد تبني عليها مواقف تضر بالحزب.
أخيراً، أعتقد أنّ مآلات كاودا خسارةٌ كبيرةٌ للحزب في المُستقبل ولو حقّق نَصراً مُؤقتاً، لأنّه لم يذهب وسيطاً للحل ولكن ذهب ليكون شريكاً باتفاق يترتّب عليه فعل في الخرطوم خارجه وخاصة المركز المُوحّد الذي يعني نقل الصراع إلى الخرطوم لحركة مُسلّحة عبر ذراع سياسي له وجودٌ في بعض لجان المُقاومة مثل العباسية وجنوب الحزام وشمبات وغير ذلك، بل لديه نشطاءٌ تنظيميون كانوا مَعلومين لبعض صَاروا معلومين للكل.
عليه، أعتقد أن الحزب الشيوعي هو الآن وبعد الثورة في أحسن حالاته، ولكن نتيجة أخطاء غير محسوبة بدقة يُمكن أن تضيع كل هذه المكاسب.
أيضاً يجب أن يسعى للعمل الجماعي والإقصاء لا يفيد أي تنظيم سياسي، لأنّ السِّياسة قائمة على الشراكة والتنازلات هُنا وهُناك، فشعارات لا كذا ولا كذا لا تنفع حتى في البيوع، ناهيك عن ممارسة السِّياسة.!