اشتراطات (العسكري) وتخندق (الحرية والتغيير)
الخرطوم: عبد الله عبد الرحيم
رغم أنّ الأجواء بالسَّاحة السِّياسيَّة السُّودانية قد شهدت بصيص ضوءٍ يُنبئ عن اقتراب التّوقيع على وثيقة الحلول النهائية للأزمة بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير، تناثرت على ضوئه التصريحات المُتفاءلة من مُختلف القوى التي ترى في عودة وفد الحرية والتغيير بهذا الحجم والكم من التفاؤل ما يُؤكِّد بأن موعد طي الأزمة قد حان، بيد أنّ من هذا الخُصُوص لم يحدث، فقد نثر المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري ما في جعبته من معلومات مردّها بأنّ جل الاتصالات والتحاوُر بينه وقِوى إعلان الحُرية ربما في طريقه للتلاشي جَرّاء المَوقف المُتأزِّم الذي أُعلن من قِبل الطرف الآخر. وهذا الأمر هو الذي قاد الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري إلى إعلان الاشتراطات التي ربط القبول بها بالاستمرار في الجلوس بطاولة المُفاوضات ما بينه والحُرية والتّغيير.. ولكن البعض الآخر من المُراقبين يرون أنّ اتجاه المجلس لتكوين لجنة خَاصّة للاتصال بالحركات المُسلّحة هي مُحاولة جادة للاستغناء عن قوى الحرية والتغيير جرّاء ذلك التجنزر عند نقاطٍ مُحدّدةٍ لم يبتدر التحالُف من الخطوات الملموسة ترسخ لحُسن النية والثقة المفقودة، ما تفيد بأنه سوف يسعى عبر المُعطيات السِّياسيَّة المُختلفة لرمي الكرة على ملعب العسكري وتُؤكِّد رغبته في الخُرُوج من هذا المأزق، لذا فإنّه وبناءً على ما ورد من حديث العسكري وتأكيداته الجازمة في ضرورة دَمج المُبادرتين الإثيوبية والأفريقية، قد تقود لتشكيل حكومة من نوعٍ ما، وإلا ربما ذهب الأمر في اتجاه تَشكيلها بطريقةٍ مُخالفةٍ لا يخير العسكري في اختيار الشخصيات الذين يمثلونها.. وما بين هذا التفاؤل والصورة المشئومة الأخرى، ألقى العسكري الكرة من جديد في ملعب القوى السياسية التي تمثلها قِوى إعلان الحُرية والتّغيير.. ومن هذا ربما نجد الإجابة الكافية لاشتراطات العسكري المَربوطة بلازمية التنفيذ والقبول وإعلان عدوله عن موقفه، وبالتالي سعيه في تشكيل الحكومة عبر القِوى السِّياسيَّة بما فيها قِوى إعلان الحرية..!
مقبولة وموزونة
السيناريوهات والتّوقُّعات لمآلات الأحداث مُستقبلاً عن واقعية المُثُول للتفاكُر والتّحاوُر حول المُبادرات المُختلفة لإيجاد حَلٍّ ومَخرجٍ للأزمَـــــة رغم الاختلاف الكبير بين الطرفين في التّكتيك وإبداء المَواقف، وعن درجة التّوصُّل لاتفاقٍ عقب الاستمرار في ملف التفاوُض المنكوث عنه، يرى بروفيسور الفاتح محجوب مدير الأكاديمي والمُحَلِّل السِّياسي ويقول لـ(الصيحة)، إنّ الذي يجري الآن في الساحة السِّياسيَّة مواقف تفاوُضية طالما أنّ هناك تفاوُضاً ومُبادرات تُطرح وهذه المواقف يريد الطرف الذي يعلنها الضغط من خلالها للوصول الى مُعادلة مقبولة وموزونة، ولا بُدّ من أخذ هذه المَواقف على مَحمل الجَـــــد.
مُرُونة واهتزاز
ويقول الفاتح، إنّ إعلان العسكري رفضه الجلوس يعتبر موقفاً تفاوُضياً، فيما أكد أن مصلحة الطرفين تقتضي التوصُّل لاتفاق، وقال محجوب إنه وفقاً لما يجري الآن فمن الصعوبة أن يكون الاتفاق سهلاً، مُستدركاً بقوله: لكن إذا تمتع قوى إعلان الحرية والتغيير بالمرونة فإنّه سيتم التوصُّل الى اتفاق، مفسراً تلك المرونة بأنها هي التي تمكن المجلس العسكري ما يجعله قادراً على التواصُل، وقال إنّ ما تم هو عبارة عن تفاهُمات، وقول الفريق ياسر عطا بأنّها غير مُلزمة هو ورقة ضغط فقط، وأكّد أنّ العسكري إنّما يُريد من ذلك أن يجعل موقف الحرية والتغيير مهزوزاً، وأشار محجوب إلى ان البلاد الآن لا نستطيع القول إنها أغلقت مسارات التفاوُض بين الطرفين ولا يُمكن الحكم بذلك، إذ أن الباب ما زال مفتوحاً أمامهما، وبفضل الجُهُود الدولية والإقليمية والضغوط التي تُمارس، فإنّ من الأفضل لهما التوصُّل لاتفاقٍ، واستهجن الفاتح مواقف الحُرية والتّغيير خلال المرحلة السّابقة، حيث أكّد أنّها برهنت أنّ قِوى الحُرية التّغيير كانت تنظر للعسكري بأنّه ليس شريكاً أساسياً وأصيلاً، وإنما مُجرّد وسيط وهي نظرة خاطئة، بجانب إغفالهم القِوى السِّياسيَّة الأخرى، مُطالباً الحُرية باستيعاب الموقف وتقديم التنازلات، وقال إنّ التشديد على أن ينالوا كل شيءٍ هو ما يؤدي إلى خُسرانهم كُلّ شيءٍ.
تعديلات السيادي
وحول الموقف التّفاوُضي وما إذا ما فشلت المساعي والمُبادرات المطروحة الإقليمية منها والدولية في التقريب بين وجهات النظر والمُختلفين، أكّد أنّها هي اللحظة الوحيدة التي يُمكن أن نقول إن العسكري قد يمضي قُدُماً في تشكيل الحكومة، بيد أنه اعتبر أنّ كل الذي يجري من مَواقف ما هي إلا مواقف تفاوُضية، وأوضح الفاتح أنه من المُؤكّد أنّ المجلس العسكري لم يتّجه للقبول بالمبادرة الإثيوبية ما لم يتم تعديلها فيما يتعلق بالمجلس السيادي، ويحمل رؤية واضحة لسيطرة المجلس على الأمن والدفاع، وأشار إلى أنّ هذا التصعيد في الموقف الحالي بخلاف حكومة أبريل العام 1986 التي حدث فيها تنازُل من قِبل المدنيين، مُشيراً إلى أنّ التخوُّف الآن هو إعادة الأمر وانقلابه عسكرياً وإبعاد نهائي لقوى الحرية والتغيير، مُؤكِّداً أنّ المطلوب الآن من قِوى الحُرية تنازُلات والقُبُول بالمجلس العسكري.
الحق الأكبر
وينظر د. السر محمد علي للذي يجري، بأنّ قوى إعلان الحرية والتغيير قد تصدّرت المشهد السياسي بموقفها الراهن من التفاوُض وبمُحاولتها وإصرارها على إعطائها الحق الأكبر في تشكيل ورسم ملامح المرحلة المُقبلة في السودان، خَاصّةً وأنّها قد أصبحت طرفاً رئيساً في مُفاوضة المجلس العسكري الانتقالي لاستلام السُّلطة، لكنها ليست الوحيدة على السَّاحة السِّياسيَّة التي فيها عددٌ واسعٌ من الأطياف السِّياسيَّة التي ترفض فكرة أن هذه القِوى تمثل السودانيين. وتصر قوى إعلان الحرية والتغيير على اعتبارها ممثل الشارع السوداني، بعد أن قادت الحراك ضد الرئيس المعزول عمر البشير، ورغم أنّ ما طُرح أمامها من مُبادرات ووساطات كافية لإزالة “اللبس المُتراكم” بينها والمجلس العسكري، لكنه يُمكن أن تخرج إلى بَرٍ آمنٍ إذا ما وافقت على دَمج المُبادرة الإثيوبية التي رحّبت بها ووافقت عليها وإعلانها ذلك مع المبادرة الأفريقية وفقاً لاشتراطات العسكري الذي اعترض على بعض بنود الإثيوبية، حيث إنها طرحت (15) شخصاً في المجلس السيادي، منهم (8) مدنيين، ما يُؤكِّد أنّ هذا عرض كل المُبادرة للفشل لأنّها أغفلت جانباً مُهمّاً وهو أصل الصراع بين الطرفين فيما يتعلّق بالسيادة على المجلس السيادي الانتقالي، ويرى السر أنّ مُوافقة العسكري على مثل هذه البنود إنما يؤدي لنسف هذه الجُهُـــــود.
ضبابية المشهد
وكان المجلس العسكري الانتقالي اتّهم سابقاً، قوى إعلان الحرية والتغيير بأنّها استثنت باقي القوى السِّياسيَّة عندما قدّمت رؤية للحل وتسليم السُّلطة للمدنيين، إلا أنّهما لاحقاً اتفقا على عددٍ من البنود حول شكل المرحلة الانتقالية، قبل أن تتعثّر المُفاوضات من جديد وتُلوِّح القوى بالعصيان المدني. فيما لا زالت بعض الدوائر ترى بأنّ الوقت مُبكِّرٌ للحكم بأنّ الطرفين على أهبة الاستعداد لمُغادرة المحطة الأولى من التّفاوُض والتي تلتها إيقافات كثيرة، حيث إنّ الكيانات التي ليست ضمن إعلان قِوى الحُرية والتّغيير من السِّياسيين والقوى السِّياسيَّة المُختلفة ترى أنه لم تتبلور بعد حول رؤية الاتفاق الثنائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، مُعلِّلاً ذلك “بعدم وضوح رؤية طرفي الاتفاق”، حيث إن كل طرف مُتشبِّث عند نقاط اختلافه لم يقوِ على مُغادرتها لنقاط أخرى يمكن أن تكون أكثر جاذبيةً للتقدم في مسار التّفاوُض، ولكن فكرة دمج المُبادرتين الأفريقية والإثيوبية بإمكانها أن تقود الى توافُق إذا ما لم تُعلن قوى الحرية والتغيير رفضها لهذا الاتجاه، مُبيِّناً أن العسكري وبكل قوة رمى بكرته إلى داخل أرض ملعب الحرية والتغيير رغم عدم وُضُوح تفاصيل المُبادرة الأفريقية التي أكّد بعض قيادات التغيير بأنّها شبيهة بالإثيوبية، بيد أنّ البعض قال إنها لم تتعد المُوجِّهات والإرشاد والضغط لقبول فكرة وعملية التّفاوُض من سياق ما قاله المبعوث الأفريقي.