القرار الصائب
في الجولة الأخيرة لمفاوضات السلام بين حكومة السودان ومتمردي قطاع الشمال، اشتجر الخلاف عميقاً بين الفريق أول عماد عدوي رئيس أركان الجيش حينذاك، وعضو وفد التفاوض ياسر سعيد عرمان رئيس وفد الحركة المفاوض، وتبادل عرمان وعماد عدوي العبارات الخشنة، وقال عرمان للفريق عدوي من يفاوض هو من يقاتل في الميدان، كذلك كان حرياً بالحكومة أن تأتي بالفريق محمد حمدان حميدتي للدخول في تفاوض مع الحركة الشعبية.. ونقلت الصحف حديث عرمان حينذاك وهي لا تعلم أن الفريق حميدتي سيصبح يوماً المفاوض الأول عن حكومة السودان والرجل الثاني في الدولة.. فهل كان عرمان يقرأ في كف الغيب؟؟ أم قراءته كسياسي لراهن السودان يشير إلى صعود نجم حميدتي في مقبل الأيام؟!
أمس أسند رئيس المجلس العسكري الفريق عبدالفتاح البرهان لنائبه حميدتي رئاسة اللجنة العليا للتفاوض مع حاملي السلاح، وهي لجنة “تأخر” تشكيلها، وكان منتظراً أن تباشر مهامها منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، وتولي المجلس العسكري مهمة قيادة البلاد نظراً لأهمية تحقيق السلام ووقف نزيف الدم وإشراك قادة الحركات المسلحة في إدارة الفترة الانتقالية”بالأصالة” بدلاً من تمثيلهم من خلال تحالف قوى الحرية والتغيير الذي لم يرفع بندقية “أم روحين” في وجه المركز، وتلك فضيلة وليست سبة، حتى لا يظن البعض بأننا من دعاة المبارزة والحرب!!
قرأ المجلس العسكري جيداً ما يطلبه المواطنون خاصة في المنطقتين وفي دارفور وتطلعهم لوقف الحرب والاستقرار والنماء والازدهار.. وأسند الفريق البرهان رئاسة اللجنة للفريق محمد حمدان دقلو حميدتي الذي بيده القوة في الميدان، وهو من قاتل الفصائل المسلحة في المنطقتين وفي دارفور، وبالتالي تعرفه الفصائل والحركات المسلحة ويعرفها حميدتي.. واختار الرئيس البرهان عضوين آخرين من المجلس العسكري الفريقين ياسر العطا وشمس الدين كباشي لمهمة صعبة وعسيرة وخطوة من شأنها كسر جمود السياسة في الوقت الراهن والانتقال بالبلاد من حالة الصراع الثنائي بين العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى مرحلة التوافق مع القوى التي تحمل السلاح لإشراكها في إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، وهي قوى لها تأثيرها على الساحة وإشراكها من شأنه إحداث اختراق حقيقي في علاقة المجلس العسكري بالمجتمع الدولي الذي تشغله الحرب في المنطقتين ودارفور أكثر من الانشغال بانتقال الحكم لقوى الحرية والتغيير..
وقرار تشكيل لجنة التفاوض يمثل خطوة أولى مرهون نجاحها بخطوات أخرى ينتظر من المجلس العسكري القيام بها لتهيئة مناخ المفاوضات مثل إطلاق سراح أسرى الحرب في المنطقتين ودارفور والعفو عن المحكومين في السجن وخارجه.. وإشراك أهل الشأن من سكان المنطقتين ودارفور في ملف التفاوض “اجتماعياً وسياسياً”..
وقبل ذلك فتحقيق السلام والوصول لتسوية مع حاملي السلاح يتطلب إرادة سياسية وعزيمة وشجاعة في مواجهة تيار عريض متنفذ في الدولة يناهض السلام ويستفيد من الحرب بتوظيفها في خدمة مشروعاته الذاتية ومصالحه المادية.. وهؤلاء يتربصون بالسلام ويتخذون من التمرد فزاعة عرقية من أجل استدامة الحرب. فهل يستطيع المجلس العسكري عبور الأشواك لتحقيق المقاصد النبيلة!! في السلام والحرية والعدالة الشعارات التي رفعها شباب الثورة وسرقها الانتهازيون..