الأطفال الآن تحت عنف الإهمال
هنالك مُشرَّدين من أسر سليمة
هناك أطفال في انتظار (الموت) لعدم وجود دعم رسمي
المنظمات تعمل على (كيفها) ولا تجد من يراقبها
هناك (4) ملايين طفل نازح و(85%) من أطفال السودان تحت خط الفقر
حوار : أم بلة النور 30 مايو 2022م
أصبح الطفل السوداني من أكثر أطفال العالم فقراً ونقص الخدمات الصحية والتعليمية، فضلاً عن انتشار سوء التغذية والتقزُّم والتشرُّد وغيرها من القضايا التي ناقشتها (الصيحة) مع الأمين العام لمجلس الطفولة الاتحادي دكتور عبد القادر أبو، في سياق الحوار التالي .
- أولاً، حدثنا عن أحوال الطفولة في السودان؟
من خلال الإحصائيات المتناثرة هنا وهناك، وخصوصاً نحن في إطار إنشاء قاعدة بيانات للطفولة حتى نستطيع أن نتحدَّث عنها بلغة الأرقام لذلك.نحن بحاجة إلى تجميع كل ما يتعلَّق بهذا الملف الإحصائي لتحقيق أهداف الحماية والرعاية والتنمية الكاملة، ولكن من خلال الإسقاطات الإحصائية والمرور الميداني بعدد من الولايات وخاصة ولاية الخرطوم التي تعتبر محطة لاستيعاب المهاجرين النازحين، وجدنا أن أحوال الطفولة متردية جداً بالدرجة الأولى من كل النواحي التعليمية والصحية والمعيشية، لأن الأسر -الآن- تحت خط الفقر، فكل البرامج التي أعدت لمحاربة الفقر هي برامج ضعيفة جداً وتحتاج لمزيد من التفحيص والمعالجات الاجتماعية والاقتصادية الصادقة في مائدة متخصصين وخبراء. ونجزم أن الأطفال الآن تحت عنف الإهمال.
………
الآن الطفل اليتيم يعاني وفاقد الأبوين يعاني حتى الأطفال في الأوضاع الطبيعية يعانون من جوانب كثيرة من ضعف الاهتمام وضعف في الأمن ويعاني من العنف، وفي هذا الجانب نطالب وزارة العدل بتطبيق القانون بصرامة، وهناك أطفال يعانون من عدم توفر مياه الشرب النقية في ولايات السودان كافة، والآن يوجد ضخ كبير للمشرَّدين بالشارع العام خلال الخمسة أشهر الماضية، وهو تشرُّد جزئي من أسر سليمة ويرجع لعامل التدهور الاقتصادي، وإذا لم يحكم هذا الأمر بخطط استراتيجة وسياسة اجتماعية لانستطيع نتنبأ بمستقبل مشرق لهؤلاء الأطفال، لذلك نحتاج لدراسة مكثفة جداً ولابد من تدخل قوي من قبل الجهاز التنفيذي، ومن قبل الدولة كمجتمع حتى نستطيع أن نقلِّل من ظاهرة التشرُّد المتجدِّدة
على مستويات مزرية جداً ومخزية .
- كم بلغ عددهم الآن؟
بلغ عددهم الآن مليون (300) ألف، داخل ولاية الخرطوم التي تضم (11) مليون نسمة، وعدد الأطفال (5) ملايين ونصف، (2) مليون، منهم أسرهم تحت خط الفقر وهناك انسحاق للطبقة الوسطى.
- ما الذي يجعل الأثر ضعيفاً في أداء المنظمات العاملة في مجال الطفولة؟
نعم، هناك عمل خاص بهم خاصة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، ولكن تلك المنظمات ينقصها التنسيق فيما بينها، لذلك استراتجية المجلس لهذا العام هي تعزيز التعاون والشراكة والتنسيق حتى تكون المخرجات صحيحة، وقياس الأثر يكون قوياً .
- قبل عِدة أشهر كان هناك مشروع بناء قاعدة بيانات للأطفال أين وصل هذا المشروع؟
نعم،هناك خطة قائمة، ولكن المجلس يعمل بفقه العزائم، لذلك لم نتوقف وعزمنا أن لا نتوقف، ونشكر إدارة السجل المدني الذين يعملون بقوة عبر أتيام ميدانية لتسجيل المواليد والقيد المدني لحفظ حقوق الطفل، وهناك بيانات لدى المنظمات الدولية وأخرى لدى الوطنية ومنها بالمجلس، ولكن نسعى لدمجها في دسك واحد تحت اسم قاعدة بيانات أطفال السودان، لنتمكَّن من تقييم الخدمات المقدَّمة لهم وبدون إحصاء لا نستطيع تقديمها.
- توقف المشروع خلال الفترة الماضية ما هي الإشكالات التي صاحبته؟
بالفعل، توقف خلال المرحلة الماضية نتيجة لتعطيل تنفيذ الأموال المصدَّقة من قبل المالية، والتي دعمت المرحلة الأولى بمبلغ (50) مليون جنيه، وتعثر الدعم بعد ذلك، فضلاً عن توقف المنظمات الدولية عن الدعم ولا تعمل إلا في حدود بسيطة جداً ونطالب رئيس المجلس السيادي بضرورة الالتفات لقضايا الطفولة وأن يوجه الوزارات المعنية بدعم البرامج حتى لا تتوقف مرة أخرى.
- كم عدد الأطفال الذين تم تسجيلهم خلال الحملة؟
تم تسجيل (8) آلاف طفل، بأطراف ولاية الخرطوم، ولازلت الحملة مستمرة عبر خارطة بيانات لمعرفة أماكن الخلل وتقنينها، لأنها تعزز قاعدة البيانات للطفولة.
- هل لازالت منظمات المجتمع الدولي متوقفة عن دعم الأطفال في السودان؟
نعم، لازالت متوقفة وقمنا بعدد من المراسلات والايميلات وتم رصد جميع المشاريع المتوقفة نتيجة لتوقف الدعم منذ 25 أكتوبر .
- هل ميزانية المجلس توضع حسب الدعم الخارجي أم هناك دعم حكومي؟
في هذا العام تم وضع ميزانية طموحة جداً وتبلغ (157) مليون جنيه، ولكن على أرض الواقع لم تصل منها سوى (5) ملايين، فقط، ووزير المالية قال إنه سوف يتعامل مع المجلس في شكل حزم حسب ما تيسَّر من أموال، كما تقدَّمنا بطلب بتخصيص سيارات من مجلس الوزراء إلا أنه لم يمنح مجلس الطفولة ولا سيارة واحدة، وكذلك المجلس السيادي دون أن تكون هناك استجابة، وكما ذكرت آنفاً توقف تام للدعم الخارجي.
- عدم الاستجابة وتنفيذ المطالب هل يعني عدم اهتمام الدولة بالطفولة؟
الدولة تؤمن بقضايا الطفولة، ولكن لا تعطيها حجمها من الأهمية، لذلك تجد البنى التحتية للمجلس متهالكة جداً. من هذا المنبر أوجه رسالة للمسؤولين بضرورة الالتفات لقضايا الطفولة ومنحها أكبر قدر من الأهمية.
الصحيح أن تكون هناك مراقبة من قبل الدولة متمثلة في وزارة المالية ورئيس مجلس السيادة لتلك المنظمات ومجلس الطفولة كآلية حكومية نراقب المسار ويفترض أن يشرف عليها المجلس، هذا هو المفروض، ولكن الآن المنظمات تعمل من الخلف بما يضر بمسار الاتفاقيات ومسار التقويم والتقييم لوضع الأطفال وعدد المشاريع التي أُنجزت والتي لم تنجز .
- ما قبل 25 أكتوبر هل هناك مشاريع أُنجزت؟
لم تكن هناك مشاريع قومية كبيرة أو مشاريع موجودة على أرض الواقع كلها كانت ضعيفة، فلم تكن هناك داخليات إيوائية للمشرَّدين أو مدارس حرفية أو برنامج خاص بالتقزم المنتشر بالسودان كما لم تكن هناك مشاريع أسرية لتخفيف حدة الفقر وسوء التغذية .
- إذاً كم بلغ حجم الدعم المتوقف؟
لا نعلم قيمته لعدم وجود رقابة عليه من قبل الدولة .
-إذاً ماهي تأثيراته على الطفولة؟
هناك تأثيرات كبيرة جداً، فهناك توقف تام للأنشطة .
- أين ولاية الخرطوم من كل هذا؟
الآن اتجهت حكومة الولاية إلى دعم قضايا الطفولة وقامت بمنحهم (21) مركز تنمية للطفولة، وعلى المجلس متابعتها بالتنسيق مع المجلس الولائي . وهناك عدد من الولايات -أيضاً- دعمت المجالس بعدد من قطع الأراضي الزراعية وبناء مصنع للألبان بولاية شمال كردفان، لأن هناك أكثر من (85%) من أطفال السودان لا يحصلون على الحليب وهم تحت خط الفقر .
- مؤخراً شهد المجلس مؤتمراً لقضايا الطفل في الإسلام بالمملكة العربية السعودية، ماذا استفاد الطفل السوداني من هذا المؤتمر؟
نعم، تمت دعوتنا من قبل منظمة الدعوة الإسلامية لمناقشة حقوق الطفل في الإسلام وبدورنا لم نقف عند المناقشة، بل جلسنا مع إدارة شؤون الأسرة والطفل بغرض تنفيذ مشروعات خاصة بالمجلس وتم تحديد الأردن والسودان وبوركينا فاسو، الآن تم تنفيذ المشاريع بتلك الدول وسوف تتم تنفيذ مشاريع السودان المقدَّمة خلال الأشهر القادمة وهي مختصة بالطفل النازح ووضعه وأعدادهم وأماكن وجودهم وترقية لأسرهم، والمشروع الثاني يختص بالطفل اللاجئ إلى جانب الأيتام ورفع سقف المنح والمساعدات لهم على مستوى الصحة والتعليم .
- هذا يقودنا لسؤال مهم وهو دور المجلس تجاه الطفل اللاجئ وأعدادهم؟
منذ قدومنا لأمانة المجلس اجتمعنا مع عدد من المنظمات، إلا أن هناك مشكلة إحصائيات، لأنه ملف شائك في ظل الحدود المفتوحة رغم تدخل المنظمات الإقليمة لم نتمكَّن من الوصول لرقم محدَّد .
- وماذا عن وضع الطفل النازح؟
وضعه مزرٍ من كل النواحي التعليمية والصحية والنفسية ويحتاج لعمل مستمر للخروج مما هو فيه الآن، وحالياً يحتاج إلى خيام الإيواء لاسيما وأن فصل الخريف على الأبواب ولاتوجد استعدادات قوية لإيوائهم، وأنا أعلم ذلك جيداً، فالخيام غير صالحة للسكن ونناشد المنظمات الدولية والإقليمية بالابتعاد عن السياسة ومنح الطفل السوداني حقه، لأن عملها عمل إنساني، وبلغ عدد الأطفال النازحين (4) مليون نازح، حسب الإسقاطات الإحصائية .
- بنظرك كيف يمكن معالجة تلك القضايا؟
يمكن العلاج في الدفع السياسي من الدولة والدفع المجتمعي من المجتمع نفسه والإيمان بقضايا الطفولة وعمل مبادرات مجتمعية تحقهها المسؤولية المجتمعية .
- يقال إن مجلس الطفولة مؤسسة صورية وليس لها وضع على أرض الواقع؟
هذا الحديث غير صحيح، ولكن يحتاج إلى آليات قوية لتنفيذ الخطط والمشاريع، فإذا تم تنفيذها سلم المجتمع وأن خابت تلك المشاريع أنتج لنا مجتمع يعيش في صراع وخطاب كراهية ومجتمع متخلِّف يحمل صفات التخلُّف والقهر الاجتماعي وسوف نكون خارج حلبة التاريخ.
- والمجالس الولائية -أيضاً- ليس لها أدوار فاعلة؟
لأنها دائماً ما تتبع لمؤسسات أخرى مثل صحة أو تعليم وغيرها من المؤسسات، لذلك نطالب بضرورة تبعيتها إلى والي الولاية مباشرة حتى يحقق أكبر قدر من المقاصد للولاية المعنية .
- هل هناك شراكات ذكية مع الجهات الأخرى؟
بالفعل، تمت قبل يومين شراكة ذكية مع وزارة الإعلام، وأكد وزير الثقافة والإعلام أن جميع آلياته وموظفيه تحت إشارة المجلس والعمل بالأشكال كافة سواءً أكان الإعلام الخاص وغيرها من أجل الطفولة، وقال: إن لم نحسِّن العمل فإن المجتمع سوف يكون في خطر .
- ماذا عن عمالة الأطفال؟
عمالة الأطفال هي إفراز لتدهور الأوضاع الاقتصادية بجانب فشل الدولة وأعود وأكرر أن لم نؤمن بالأطفال كعقيدة لن نستطيع تقليل تلك الظاهرة وبقانون رادع ومواقبة قوية، فضلاً عن باحثين بلجان مستمرة برؤية كاملة اسمها السياسة الاجتماعية .
- إلى ماذا ترجع فشل المنظمات في القيام بدورها؟
يعود ذلك الفشل لعدم وجود من يزجرها ويضعها على الطريق الصحيح، وليس هناك من يتابع ويراقب أعمال تلك المنظمات والدولة كجهاز رسمي حتى الآن لم تجلس معها ومساءلتها، هل تعمل وفق الخطط والأهداف التي جاءت من أجلها، وأؤكد (مافي رقابة الآن المنظمات شغالة على كيفها) تتحرَّك دون علم الجهات المسؤولة وترفع تقارير كما تشاء، وأيِّ منظمة تعمل بالباطن مع مؤسسات وجهات لا تعمل لصالح الأطفال ونحن ضد هذا الأمر، لذلك نطالب المسؤولين بالدولة الجلوس مع تلك المنظمات ومساءلتها عن الأعمال التي تقوم بها لابد للدولة أن تجري كشف حساب وقياس أثر، ومعرفة حقوق الأطفال لأنها أمانة .
- معروف أن هناك تقارير نصف سنوية وسنوية تُقدَّم من مجلس الطفولة بالتعاون مع منظمة اليونسيف، أين هو الآن؟
هذا العام حتى اللحظة لم يتم تقديم أي تقرير، ومنظمة اليونيسيف اعتذرت عن العمل لعدم وجود جهاز تنفيذي واضح ولضبابية الموقف الخاص بتشكيل الحكومة، وكل المواقف غير واضحة بالنسبة لهم، وهذا استفزاز واضح، لأنها منظمة أممية يهمها تقديم خدمة لا علاقة لها بالسياسة، والمجلس أصدر عِدة خطابات لرئيس مجلس السيادي ولمجلس للوزارء نطالب فيها بمرقابة تلك المنظمات، ولكن لم تكن هناك استجابة من قبل الدولة .
- ما تقييمك لأعمال تلك المنظمات؟
كل الأعمال التي تمت لا ترقى لمستوى حاجة الطفل السوداني (75%) من الأموال يذهب في الأعمال اللوجستية وإدارية فقط .
- أخيراً ورغم إشكالات قاعدة البيانات هل لديكم أرقام بعدد وفيات الأطفال؟
بحسب المرصد فهناك (203) حالات، وفاة، لأطفال السرطان وهناك انعدم تام لأدوية السرطان والبعض الآخر باهظ الثمن يصل إلى (400) ألف جنيه، وهناك أطفال في انتظار (الموت) لعدم وجود دعم رسمي أو عالمي أو مجتمعي، أما حديثي الولادة فحدث ولا حرج فلا توجد حضانات، فالأوضاع الصحية متردية في الولاية وخارجها.