السودان والأزمة الليبية.. الدور الغائب للجارة
الخرطوم: نجدة بشارة 29 مايو 2022م
ظلت العلاقات السودانية الليبية تمر بمتلازمة متأرجحة بين الصعود والانحدار، فخلال أعوام نظام الإنقاذ الماضية ظهر خطان لهذه العلاقة المزدوجة: خط يدعم الخرطوم ويفتتح المنشآت الاستثمارية، وخط آخر يستقطب معارضي النظام السابق، ورفقاء الكفاح المسلح في الحكومة الحالية عبر تلقي المساندة الدعم اللوجستي إلى الاحتواء، ومع الوقت تشكَّلت علاقات البلدين بكل تعقيداتها وتقلباتها وتأرجحها من مربع التحالف الوثيق إلى مربع الخصومة وهي تجربة خلقت نمطاً لواحد من أكثر العلاقات بين الدول غرابة، وهي العلاقة الودية الظاهرة التي تستبطن حالة عميقة من والإيذاء وصب الزيت على الحروب الأهلية المستعرة.
علاقات مضطربة
ورغم ذلك لم تكن العلاقات السودانية الليبية شيئاً مذكوراً, على الرغم من أنهما دولتان جارتان وفضلاً عن الجوار الجغرافي تجمعهما الروابط وأواصر السياسية والاقتصادية.
وفي العام 1969م، شهدت البيئة السياسية للجارتين ذات التقارب والتشابه الذي تعيشه اليوم، من خلال ميلاد نظامي حكم عسكريين في البلدين, حيث ولد الأول في السودان بانقلاب 25 مايو، بقيادة جعفر النميري, وجاء الثاني في ليبيا بعده بثلاثة أشهر، بانقلاب الأول من سبتمبر بقيادة معمر القذافي، وسرعان ما أظهر النظامان الجديدان تقارباً كبيراً بينهما على خلفية تأثرهما بزعامة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عرَّاب العلاقات بين النظامين “الثوريين” الجديدين اللذين ألهمتهما الشعارات القومية والوحدوية العربية، وعلى غير المتوقع لم تدم العلاقات الوثيقة بين القذافي ونميري طويلاً، حيث دخلت العلاقة بين النظامين منذ منتصف السبعينيات فترة خصومة شرسة استمرت حتى أطاحت الانتفاضة السودانية في العام 1985م، بالنميري, وكان من محطات تلك الفترة أن استضاف النظام الليبي المعارضة السودانية المسلَّحة المشكلة من أحزاب الأمة؟ والاتحاد الديموقراطي وجماعة الإخوان المسلمين.
تأثير وتأثر
لكن رغم هذه التأثيرات والتداخلات لم يفقد الدور الليبي تأثيره ودوره في المشهد السياسي السوداني لاسيما دور طرابلس في أزمة دارفور عندما لعب أكثر الأدوار تعقيداً والتباساً وعمق الأزمة، في الوقت الذي كان تتهيأ فيها الخرطوم لطي ملف الحرب الأهلية في الجنوب حتى أن سقوط نظام القذافي حينها كان قد أسعد نظام الرئيس المعزول البشير، لدرجة أن والي ولاية شمال دارفور الأسبق عثمان يوسف كبر، وصفه بأنه “تطور أكثر أهمية من اتفاقيتي الدوحة وأبوجا” للسلام في الإقليم, على خلفية الانزعاج السوداني من دور ليبيا في تعقيد أزمة دارفور.
في الهم شرق
بينما يمضي الوقت وبعد سقوط النظام البائد في أبريل 2019م، استمرت العلاقات بين طرابلس والخرطوم في تأرجحها، مع تشابه الظروف والبيئة السياسية مجدَّداً، رغم أن طرابلس استبقت الخرطوم بخطوات واسعة في خوض ثورة فبراير، كإحدى ثورات الربيع العربي المشهود لها والتي أسقطت أعتى الدكتاتوريات، ووفقاً لمراقبين فإن الثورة في ليبيا لم تحدث التغيير المنشود ولم تستطع الفترة الانتقالية أن تؤسس لنظام ديموقراطي ومازال الصراع السياسي في ليبيا يهدِّد بحرب العصابات، وهو ذات المصير الذي وجدته ثورة ديسمبر المجيدة، وأضافوا (كلاهما في الهم شرق) لكن مع الوقت خف التأثير الليبي على مجريات الأوضاع في السودان مثلما تراجع الدور السوداني في الشأن الداخلي لطرابلس، وعزاها مراقبون بأن التراجع للدولتين بفعل الضغوط التي ظلت الخرطوم تتعرّض لها من كل من: مصر والإمارات اللتان دخلتا على خط الأزمة في ليبيا.
فاقد الشيء لا يعطيه
يرى الخبير الاستراتيجي والمحلِّل السياسي السفير الطريفي كرمنو، في حديثه لـ(الصيحة): إن الجارة ليبيا ربما تعيش أزمة سياسية مشابهة للأزمة السودانية، ومشابهة -أيضاً- للأزمة التونسية وأضاف: (فاقد الشيء لايعطيه)، وضرب مثلاً بفترة حينما كان الراحل الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان قائلاً: كنت حينها مدير الإدارة الأوربية، دفع لنا بمذكرة لإجراء دراسة وكتابة مبادرة تعنى بحل مشكلة قبرص على أن تقدَّم للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فقمنا بكتابة مذكرة أوضحنا فيها أننا لنا جرح أعمق من المشكلة القبرصية، فكيف نقدِّم مبادرة لحل مشكلة نحن عجزنا عن حلة مشكلة مشابهة لها؟ وإذا كنا حللنا مشاكلنا لقدمناها أنموذجاً، وبالتالي تقبَّل الراحل المهدي، مبرراتنا بعدم تقديم مبادرة لحل مشكلة خارجية نعاني منها بالداخل، وحالياً هنالك رئيسان في ليبيا، وصراع محتدم حول السلطة، وأضاف: لا تملك ليبيا حيال الأزمة السودانية غير الصمت، والدولتين في ذات الهوى.
أزمات وانقسامات
بينما برَّر المحلِّل السياسي والخبير الاستراتيجي الرشيد أبو شامة، غياب دور الجارة ليبيا عن الأزمة السودانية لـ(الصيحة) بأن طرابلس -حالياً- مشغولة بأزماتها الداخلية والانقسامات الداخلية، لاسيما نشوب صراع مؤخراً بسبب تعيين رئيسين وزراء، أحدهما في طرابلس وآخر عُيِّن بصورة غير رسمية أو قانونية قادت لاندلاع صراع سياسي شديد في الوقت الراهن، أما مايخص علاقات بعض حركات الكفاح المسلَّح التي كانت توجد بليبيا شبَّهها بأن عملها أقرب للمرتزقة ورعايا المصالح وتحصيل منافع شخصية، فضلاً عن عمل دولة أو وطن، وأضاف أبو شامة، إن حكومة ليبيا -حالياً- ضعيفة وهشة وتعاني من الانقسامات وهي أحوج للمبادرات ومساندة دول الجوار، ونفى أن تكون ليبيا قد عادت إلى عادتها القديمة بإدخال يدها في صراع دارفور، وزاد: لا أتوقع من الحكومة الليبية أيِّ مساندة أو مساعدة للسودان في هذا التوقيت الذي تظهر فيه أكثر حاجة لهذه المساندة.