صلاح الدين عووضة يكتب : صلاة الزين!!
25مايو 2022م
يا صلاة الزين..
على بلادنا… يا صلاة الزين..
أو كما غنى المطرب السوري فهد بلان للوطن… للوطن العربي الكبير..
وعندما زار السودان ردّد الأغنية ذاتها..
ولكن مع ذكر اسم دولتنا بالاسم؛ وكان أثناء احتفالية لا أذكر مناسبتها..
يا صلاة الزين..
على السودان… يا صلاة الزين..
وشاعرنا الدبلوماسي – السوداني – سيد أحمد الحردلو قال شعراً في بلده:
يا سمح يا زين..
وذلك في سياق قصيدته الشهيرة (يا بلدي يا حبوب) التي تغنى بها وردي..
والمتحدثة باسم الشيوعي السوداني والدها اسمه الزين..
ولكن مذيع (الجزيرة مباشر) الذي استنطقها البارحة عجز عن نطقه صحيحاً..
فهو كان ينطقه كما ننطق كلمة الدين..
أما ما نطقت هي به فقد فتحت طاقةً بذاكرتي جعلها تهيم في متاهات الزمان..
تهيم فيه كقافلة شاعرنا محيي الدين فارس..
والتي تولول عمياء فاقدة المصير….. وبلا دليل..
أو كما قال في قصيدته الرائعة (لن أحيد)؛ والتي تغنى بها العطبراوي..
وبلا دليل انطلقت ذاكرتي أمس..
انطلقت بـ(لولوة) – لا ولولة – نحو ذكرياتٍ لا يبدو أن ثمة صلة بينها..
لا يبدو الأمر كذلك ظاهرياً..
ولكن عند رجوعها من متاهاتها – وفراغنا من كلمتنا هذه – تتبدّى الصلة..
فالمنطق – أحياناً – قد يكون (في جوف الفرا)..
والمنطق من الفلسفة؛ والناطقة باسم الشيوعي هذه أغضبت الفلسفة أمس..
أو أكثرت من ذكر كل ما يغضبها..
فهي تغضبها جداً مفردات من قبيل يجب… وينبغي… ولا بد… والمفروض..
وكاد مستضيفها أن يغضب هو نفسه..
لا من مفرداتها هذه من منظور فلسفي؛ وإنما من منظورٍ سياسي بحت..
فهي كانت كمن يضع متاريس أمام كل الطرق..
كل الطرق التي تؤدي إلى (روما) الحل تضع فيها متاريس غير واقعية..
مثل متاريس شوارعنا هذه الأيام..
سواء ذات الحجارة… أو ذات اللاءات؛ لتظل الأمور (محلك سر)..
بيد أن بنت الزين كانت أشد عجبا..
فبينما كانت تدفع بالمذيع إلى حدود الغضب دفعت بذاكرتي إلى حدودٍ أخرى..
إلى حدود ذكرياتٍ – وحادثات – قديمة..
فرأيت – فيما يرى المتذكر – الرجل المسن ذاك في حفل زواجٍ بحي السجانة..
فقد كان الزمان – بالنسبة له – (ما زي بقية الأزمنة)..
ومن الواضح – كما بدا لي – أنه لم يشهد حفل عُرسٍ منذ أزمنة بعيدة..
فطرق بعصاه الأرض؛ وطرقت دموعه خديه..
ثم التفت نحوي مغمغما (يعني تاني مفيش عرضة عصا… ولا رقصة رقبة؟)..
وقبل أن أجيبه انتفض قائماً نحو الخارج..
خارج السرادق… وخارج الحفل… وربما خارج الزمان – الآني – ذاته..
ولعله كان يردد في سره (قول للزمان أرجع يا زمان)..
ولكن أنَّى لزمان (الزمان زمانك) – وما بعده – أن يرجع مرة أخرى؟..
ثم استقرت ذاكرتي على مشهدٍ آخر..
مشهد من مشاهد فيلم أمريكي قديم تبدو فيه صورة جندي ذي شاربٍ كث..
مثل شارب رجل حفل السجانة هذا..
وكانت الصورة على جدارٍ بكوخ عتيق؛ في ساحة تدريب عسكري حديث..
وولج الكوخ مجندون… ومجندات..
وبعض المجندات يضحكن ضحكاً مثيراً؛ أثار حفيظة صاحب الصورة..
فحرك حاجبيه… فشاربيه… فصدغيه… وأخيراً رجليه..
فقد قفز بشراً سوياً من إطار الصورة؛ وسط ذهول المجندين… الضاحكات..
وجرَّد غدارة من أزمنة الحرب الأهلية..
والتي أعقبتها أزمنة ثورة بلشفية؛ تعيش على ماضي ذكرياتها بنت الزين..
وقافلة ذكرياتي تحط رحالها بي عند مشهدٍ آخر..
مشهد فيلم قديم أيضاً؛ يظهر فيه فريد شوقي وهو خارجٌ من السجن..
خارج منه لأزمنة غير تلك التي سُجن فيها..
فيسأل مستقبليه لدى باب السجن (هيا بديعة مصابني عندها حفل فين الليلة؟)..
فيأيته الرد (بديعة تعيش انت من عشرين سنة)..
فيبكي كبكاء رجل حفل السجانة ذاك؛ وكبكاء جندي صورة الكوخ هذا..
وكبكاءٍ كان مذيع (الجزيرة) قاب قوسين أو أدنى منه..
وأيَّاً كانت الأزمنة التي تعيش فيها بنت الزين هذه فهي تستحق تحية كبيرة..
تحية على صمودها هذا في خندق أزمنة سحيقة..
ثم إصرارها على الأزمنة هذه بمفردات يجب… وينبغي… ويُفترض..
وها أنا ذا أغني لها مع فهد بلان:
صلاة الزين… يا صلاة الزين..
على آمال الزين!!.