تحت شجرة ظن ..!
“للآلام ما يكفي من الشبهات.. والشرفات أضيق من حلول الذكريات على الشتاء” .. شوقي بزيع ..!
من آفات الممارسة السياسية في السودان: الحماسة والإسهاب في طرح الحلول، (فـ) مطالبة الغير بالعمل على تحقيقها، (ثم) ترقب ردود أفعاله وانتظار منجزاته تحت شجرة ظن! .. معظم عناوين الصحف الرئيسة في بلادنا مضمونها دعوات ومناشدات ومطالبات من ساسة إلى إخوانهم في السياسة بضرورة العمل على تحقيق كذا.. ووجوب الكف عن كذا وكذا .. أما موقعهم (هم) من تنفيذ ما يطالبون بتحقيقه ـــ أو يدعون غيرهم إلى الكف عنه ـــ فـ “غائم”، و”عائم”، وموقوف على إجازة “موقف” الآخر ..!
معارك السياسة السودانية بعلاقاتها المتناقضة، ومصالحها المتداخلة، ومساوئها المتشابكة، ومثالبها المعقدة ـــ كانت ولا تزال تشهد على أن هؤلاء أو أولئك هم أبعد ما يكونون عن العقلية التداولية.. الحاكمون في قيلولة متقطعة لأنهم (ضامنين) والمعارضون يتصرفون وكأنهم مجرد ناشطين يناشدون آخراً (ما) لدعم قضاياهم .. بينما الأولى أن يخرجوا جميعاً من قوقعة الأقوال إلى “سَهَلَة” الأفعال، وأن يتعاطوا مع المواطنين – أتباعاً كانوا أو تابعين – كبشر، وليس كأيقونات يسهل اختراقها ويصعب – إن لم يكن يستحيل – الذوبان فيها ..!
محاولات إصلاح الراهن السياسي ـــ شراكة كان أم إشراكاً ـــ قديمة متجددة، فلماذا تخفق دوماً؟! .. لأن إرادة التغيير – أياً كان شعارها – شرطها القدرة على التشخيص بالمراجعة النقدية والمحاسبة العقلانية لأخطاء المؤسسة الحزبية أولاً .. فالرهان هنا (بعد خسارة معظم القضايا على يد حملتها ودعاتها!) يجب أن يكون على نفض العدة وإصلاح المنهج وتقويم المفاهيم، عوضاً عن إهدار المزيد والمزيد من “كرامة” الأحزاب في انتظار “كرامات” الزعماء..!
لا مجال للتفكير في الراهن السوداني بعقلية نخبوية أحادية كما يفعل الحُكّام، “عسكراً كانوا أم أئمة”، لا بد من العمل بعقلية الشراكة ولغة التوسط ومنهج التعدّد، لا بد من إعادة النظر في أمر الشعارات الممجوجة التي خذلت – أول ما خذلت – دعاتها أنفسهم، وانطفأ بريقها ولم تعُد تعني شيئاً لأجيال لاحِقة فقدت ثقتها تماماً بنزاهة السابقين وجدواهم ..!
بعض (الضامنين) يدعون إلى رفض الانفتاح على العالم الآخر (الذي لا يرونه إلا متآمراً أو صاحب أجندة)، مع أن الخلافات السياسية في السودان تعيش على ما ينتجه ذلك الآخر من مبادرات ووساطات تدلل على قِصر نظر الحكومة وقصور وعي المعارضة ..!
ماذا ينتظر هذا “السودان” من كيانات سياسية تسير بفكر الرجل الواحد وتتصدى للمنافسة السياسية بمنطقه الذي يضع العراقيل حيناً ويبسط المشكلات أحياناً ولا يتورع عن طمس أي دور قيادي لا ينطلق من مسرح الرجل الواحد..؟!
(ثم) ماذا ننتظر نحن من فكر نخبوي لا يؤمن بالصيغ المركبة لحل المشكلات المعقدة، وأداء سياسي لا يؤمن بالتواصل، ومنهجية قيادية متوارثة أثبتت النوازل والخسائر الوطنية فداحة أخطائها؟! .. لا شيء يذكر.. إلا إذا أفسحنا رقعة مقدرة في ردود أفعالنا لكلمة (لا) ونصّبنا أنفسنا فاعلين أصيلين، لا مفعولاً لأجلهم ..!
منى أبوزيد