لم يَهبِط قادة جبال النوبة من علياء جبالهم إلى مقرن النيلين من أجل مغنمٍ وهم أغنى من أهل الخرطوم موارد. ولم يهبط قادة الإدارة الأهلية من الجبال الشامخات فقط من أجل دعم المجلس العسكري الذي يضم بين عضويته أحد أبناء جبال النوبة بالأصالة والثقة، إنه الفريق شمس الدين كباشي “نوارة مجلس البرهان” ولسان حاله الذرب ولكن قادة المجتمع من زعماء الإدارة الأهلية والشباب والطلاب جاءوا للخرطوم في فصل الخريف والزراعة والرعي من أجل قضيتهم التي لا حياد عنها ألا وهي السلام في جبال النوبة والحكم الفيدرالي المُبرّأ من عيوب الاحتكار ورفض “المركزية” والتطلّع لإنصاف شعب مظلوم ومقهور منذ سنوات طويلة..
يأتي أبناء جبال النوبة لقاعة الصداقة.. أشواقهم وتطلعاتهم أن يتحقق السلام بالتفاوض مع حاملي السلاح وإشراكهم في الفترة الانتقالية والتفاهم حول الأسباب التي دفعتهم قهراً لحمل السلاح.. ورفض الإقصاء السياسي والعزل والدعوة لمصالحة شاملة وميثاق شرف للممارسة الراشدة في الانتخابات وعهد بالدفاع عن الديمقراطية ورفض مغامرات الانقلابيين أياً كان مصدرها..
قيادات جنوب كردفان أو جبال النوبة وكلا المُسمَّييْن صحيحيْن بالنظر لدستور السودان 2005م واتفاقية السلام في المنطقتين التي لم تعلن لها مطالب ومواقف ستعبر عنها في لقاء اليوم.. منها دعم المجلس العسكري لشعورهم بأنه الأقرب إليهم وجداناً وسياسياً واجتماعياً.. يعرفون بعضاً من قادته الذين عملوا في سنوات خلت بجبال النوبة وأصبحوا جزءاً من ذلك المجتمع مثل الفريق ياسر عبد الرحمن العطا, وبطبيعة الحال قادة جبال النوبة يقفون بعيداً جداً عن قوى الحرية والتغيير التي التزمت بإلغاء النظام الفيدرالي والعودة لنظام الأقاليم القديمة التي تعني تجريد كادقلي العاصمة السياسية لجبال النوبة من رمزيتها والعودة للأبيض كعاصمة كخطوة نحو عودة المركزية البغيضة!!
ثانياً إعلان قوى الحرية والتغيير عن وجهها العلماني، وقد ورد في كتابها الموسوم بالإعلان الدستوري مواقف ملتبسة بشأن الشريعة الإسلامية مما أثار جدلاً في الساحة السياسية.. وقادة جنوب كردفان يرفضون المساس بالشريعة مما يباعد المسافات بينهم وقوى الحرية والتغيير, ولأن المنطقة قد “شقيت” طويلاً بالحرب والنزاعات بسبب قصور الرؤية وعشا البصيرة عن معالجة أسباب الحرب، فإن مطالب المنطقة منذ سنوات طويلة هي التمييز الإيجابي في التنمية والتعليم والتوظيف لتعويضها عن سنوات الظلم المتطاول منذ استقلال البلاد وحتى اليوم، ولن يتحقق ذلك إلا بالاستقرار الأمني ويمثل وجود المجلس العسكري “كضامن” للاستقرار خلال الفترة الانتقالية فرض عين وليس ترفاً لإشباع رغبات قادته من وطر السلطة!!
جنوب كردفان أو جبال النوبة، تقول كلمتها اليوم في لقاء قاعة الصداقة فهل تصغى الخرطوم لأهل الهامش؟؟ أم تتمادى بعض النخب في النظر لمطالب الهامش بعين الازدراء والتعالي الزائف ودمغ كل من لا يمشي في الركب معصوب العينين بالمرتشي وبائع ضميره!! لأن المرء لن يسيء الظن بالآخرين إلا اذا ساءت أفعاله وظن أن الآخر مثله تماماً..