19 مايو 2022م
أو تخيَّل..
اختر ما يعجبك..
فالكلمتان معناهما واحد..
كما في أغنيةٍ تقول (تخيل كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني)..
وأخرى تقول (تصور روعة المشهد)..
ونحن نقول الآن – في سياقٍ سياسي – تخيل لو كانت قحت تحكم إلى اليوم..
إذن لاستمر الفشل… والتشاكس… والتحاصص..
والأخطر من ذلكم لا أمل في احتكام إلى صناديق الاقتراع… لا أمل خالص..
فقط فترة انتقالية تمتد لما لا نهاية..
يعني باختصار شديد جداً انتفى الغرض الذي من أجله كانت الثورة..
وكأننا أبدلنا شمولية الإنقاذ بشمولية قحت..
ثم أعدنا (روعة المشهد) ذاته في كل شيء… كل شيء… كل شيء..
التمكين… الكبت… القهر… شهوات السُّلطة..
فخلال عامين فقط تم من التمكين ما لم تفعل مثله الإنقاذ في سنواتٍ عشر..
تمكين الأحباب… والرفاق… والصحاب..
ثم خلال العامين هذين رأينا نماذج لما سيكون عليه الكبت في مُقبل التمكين..
صُودرت صحف… واُعتقل صحافيون..
ثم اُعتقل تلفزيون الدولة الرسمي نفسه في سجن أُحادية قحت السياسية..
فصار لا يرى إلا ما تراه هي..
بمثلما كان لا يرى إلا ما تراه الإنقاذ… طوال سنواتها الثلاثين من التمكين..
وظهرت على وجوه أهل قحت أمارات الفرح ذاتها..
دلائل الفرح نفسها التي كانت تطفح بها وجوه رموز الإنقاذ..
الفرح بالنعمة… بالسلطة… بالتمكين..
وكأني بكل واحدٍ منهم يُردِّد (تخيّل كيف يكون الحال لو ما كنت قحتاوي)..
يردد بلسان حال تنم عنه ضحكات بلهاء..
وكيف لا يضحكون وهم يحكمون بلا خطة… ولا هدف… ولا برنامج..
ورغم ذلك ينهلون من مباهج الحكم..
إلى درجة أن أنستهم المَباهج هذه حتى الثورة التي حكموا باسمها..
بل حتى لجنة شهداء الثورة هذه..
رغم أنهم هم الذين أنشأوها… وعيّنوا رئيسها… واختاروا أعضاءها..
فبقيت ذات جعجعة دونما طحن..
نسوها بمثلما نسوا الثورة ذاتها… وبرلمانها… ومفوضية انتخاباتها..
نسوا كل شيء… حتى الانتخابات..
ثم تذكروا ذلكم كله – على حين فجأة – عند صدور بيان (25) أكتوبر..
عندما سُحبت الكراسي من تحتهم..
أو سُحبوا هم منها؛ وسُحبت – من ثم – امتيازاتهم… ونثرياتهم… وفارهاتهم..
وقد يسأل سائل هنا: يعني أنت مؤيدٌ للبيان؟..
والإجابة عن السؤال هذا قد لا تكون منطقية إلا إن انبثقت عن سؤال مضاد..
سؤال نصه: وهل يرضيك أنت أن تُختطف ثورتنا؟..
ثم نواصل في سؤالنا نفسه: ثم لا تُفضي إلى انتخابات؟… فحكومة منتخبة؟..
ثم ننتظر إجابة تذكرنا بمديرٍ مالي لنا قديماً..
وقد كان مصرياً ظريفاً… ومسؤولاً عن مالية جريدة (الرأي العام) آنذاك..
كنا نذهب إليه كل خميسٍ بجيوبٍ خاوية..
ونسأله بلهجته المصرية (يرضيك اليوم الخميس وما يكونش معانا فلوس؟)..
ثم نترقب منه جواباً يعتمد على حالته المزاجية..
فإن كانت حالته هذه رائقة قال (لا والله ما يرضنيش)… ثم يفتح خزانته..
ونخرج من عنده (رائقين)..
أما إن كانت حالته (عكرة) صاح فينا (أيوه يرضيني ونص وخمسة)..
فلا نخرج من عنده بـ(نص)… ولا (خمسة)..
والآن لنر ما سنخرج به من عند الذي طرحنا عليه سؤالنا السياسي هذا..
فإن قال لا يُرضيه فهذه إجابة صحيحة..
فهي تعني إنه شخصٌ ديمقراطي… لا يرى لثورته هذه نهايةً إلا بانتخابات..
ثُمّ نُوجِّه له سؤالاً آخر: إذن كيف ترى الحل؟..
ما هو الحل الذي (يحلنا) من التمكين القحتاوي الذي يُشابه تمكين الإنقاذ؟..
التمكين الذي هدفه استمرارية دونما انتخابات؟..
نعم؛ قد يكون بيان البرهان ذاك ليس هو الحل الأمثل لمُشكلتنا هذه..
ولكن دعونا نتخيّل – أو نتصوّر – حلاً آخر..
هل يُمكننا تخيُّل حلٍّ يجعلنا نترنّم فرحين (تصوّر روعة المشهد)؟..
لا أظن… عدا أحد خيارين:
إما بيان من برهان… وإما من جنرالٍ آخر يقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع..
وفي الحالة هذه نكون قد رجعنا إلى نقطة الصفر..
رجعنا إلى مربع لا أحزاب… لا صحافة… لا حريات… لا انتخابات..
أما إن قال نعم يُرضيه فهذه مصيبة..
فمعنى ذلك إنّه يُريد لثورتنا أن تُعيدنا إلى ما كنا عليه في زمان الإنقاذ..
مع مُلاحظة أن الإنقاذ كانت أفضل حالاً من عدة وجوه..
فهي – على الأقل – كانت ذات برلمانٍ صوري..
وكانت الأوضاع المعيشية في أيامها أحسن… بما لا يُقارن بأيّام قحت..
وكان مسؤولوها عندهم (شوية إحساس)..
وعن صاحب الإجابة الثانية هذه نقول ما يُقال عند الشعور بالعجب الشديد:
ولنا في ذلك خياران: إما تخيَّل… أو..
تصـــوَّر!!.