الصيحة : القسم السياسي 21 مايو 2022م
يستخدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدات التنموية المقدمة لأفريقيا كورقة ضغط لتحقيق أجنداتها السياسية ومؤخراً لضبط الهجرة على حساب تعزيز التنمية، كما تكشف الأرقام وتحليلات الخبراء. فكيف يتم ذلك؟
وفقاً للأرقام المجردة، يقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معظم مساعدات التنمية في العالم. وبلغت هذه المساعدات 75 مليار يورو في عام 2019 وحده. نحو ثلث هذه المساعدات تذهب حالياً إلى أفريقيا. ولأن الإجحاف التاريخي يجعل الدول الأفريقية في وضع لا يصب لصالحها في المفاوضات، فإن دول الاتحاد الأوروبي غالباً ما تستخدم صناديق التنمية كأداة لتحقيق أجنداتها السياسية. وفي السنوات الأخيرة، كانت السيطرة على الهجرة تتصدر هذه الأجندات.
مختارات
وحسب تقرير نشره موقع DW فانه ومنذ تأسيس الاتحاد الأوروبي في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت أفريقيا هي محور سياسة التنمية لدول أوروبا الغربية. ومع وجود أجزاء كبيرة من أفريقيا كانت لا تزال مستعمرة من قبل الدول الوارثة للإمبراطوريات الأوروبية، تهدف بعض الآليات مثل صندوق التنمية الأوروبي إلى مواصلة سياسات التنمية للإمبراطوريات السابقة، كما تقول المؤرخة سارة لورنزيني، وتضيف: “كانت الفكرة هي بناء دول فارهة على النمط الأوروبي في المستعمرات لكي تحتفظ أوروبا بثقلها الجيوسياسي كقوة ثالثة خلال الحرب الباردة”. وعندما بدأت الدول الأفريقية في الحصول على الاستقلال في الستينيات، سمحت سياسات التنمية للدول الأوروبية بالحفاظ على نفوذها في القارة.
مساعدات التنمية أداة جيوسياسية
ويقول التقرير، تستمر الأجندات السياسية في تحديد الاتجاه الذي تذهب إليه المساعدات وماهية المشاريع التي تحظى بالأولوية. يقول جان أوربي، مدير مركز دراسات الاتحاد الأوروبي في جامعة غينت البلجيكية: “لا تزال الأجندة الرئيسية في أفريقيا جيوسياسية”، ويضيف: “في السنوات العشر الماضية، أصبحت سياسة التنمية أكثر ارتباطاً بالهجرة وسياسة الطاقة والتجارة”.
وتُظهر البيانات حول مساعدات التنمية الرسمية التي جمعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، على سبيل المثال، أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تنفق الكثير من مساعداتها التنموية شمال الصحراء أكثر مما تنفقه الجهات المانحة الأخرى- وذلك غالباً على بلدان تعتبر دول منشأ أو دول عبور للمهاجرين الذين يشقون طريقهم إلى الاتحاد الأوروبي.
إحدى الأدوات التي تجسد تركيز الاتحاد الأوروبي على مراقبة الهجرة هي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا”، الذي اختتم للتو فترة تمويله البالغة ست سنوات. فبعد وصول أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2015، كان صانعو القرار في الاتحاد الأوروبي حريصين على منع تكرار ذلك.
ونتيجة للمفاوضات التي تلت ذلك، تم تمويل مشروع “طارئ” للصندوق بما يقرب من 5 مليارات يورو، تم ضخ جزء كبير منها عبر إعادة توجيه أموال التنمية الحالية. كان الغرض من ذلك هو صرف الأموال بسرعة – بدون إشراف برلماني كبير وبيروقراطية تعقب ذلك. يقول أوربي: “يوضح الصندوق الائتماني أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يتصرف بسرعة وكفاءة وتماسك عندما يريد ذلك”، ويتابع: “ما إذا كان هذا شيئاً جيداً هو سؤال آخر”!
المعيار وقف تدفق المهاجرين!
وحسب ما جاء في التقرير، تهدف الأموال رسمياً إلى “معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية” في البلدان المتلقية للمساعدات. لكن يبدو أن أولوية صانعي القرار هي منع المهاجرين من الوصول إلى حدود الاتحاد الأوروبي، كما وجد تقرير لمنظمة أوكسفام. من جهته عبر كريستيان دانيلسون، رئيس المديرية العامة لسياسة الجوار ومفاوضات التوسيع في الاتحاد الأوروبي، في أحد اجتماعات الإدارة، عن سعادته من أن الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا “أكد قيمته في دعم الإدارة الفعالة لتدفقات الهجرة من وإلى وداخل شمال أفريقيا”.
ووجد تقرير أوكسفام أيضاً أن معظم التمويل يذهب إلى مشاريع التعاون الإنمائي في الدول التي يُنظر إليها على أنها دول منشأ للمهاجرين، بينما تتلقى دول العبور المزيد من الأموال لمشاريع إدارة الهجرة. بينما تم إنفاق نحو 1 ٪ فقط من الصندوق، ما يعادل 56 مليون يورو، على تعزيز المسارات القانونية للمهاجرين الأفارقة.
قد لا يبدو الحجم الإجمالي للصندوق كبيراً: 5 مليارات يورو في التزامات التمويل، موزعة على خمس سنوات وحوالي 30 دولة مستفيدة. بين عامي 2016 و2020، وهي الفترة الزمنية التي تقدم فيها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بيانات كاملة، التزم المانحون الرسميون للمساعدات الإنمائية بتقديم أكثر من 1.7 تريليون دولار (1.6 تريليون يورو) لهذه البلدان، يأتي ثلثها تقريباً من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه.
مصالح سياسية
لكن الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا غالباً ما يترافق مع الصناديق الأخرى التي يديرها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه – والمصالح السياسية التي تقف وراءها. فقد يؤدي رفض التعاون مع برنامج واحد إلى الإضرار بالبلدان المتلقية عندما يتعلق الأمر بالتمويل المستقبلي.
ويضيف التقرير، لا تزال الأموال المقدمة من الاتحاد الأوروبي تُحدث فرقاً في كل دولة على حدة. يشكل الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا أكثر من ثلث إجمالي أموال التنمية في الاتحاد الأوروبي التي تذهب إلى السودان وليبيا، والتي تتلقى أيضاً من بين أعلى المبالغ من الاتحاد الأوروبي.
وحتى البلدان التي لديها مصادر تمويل أكثر تنوعاً يمكن أن تكون عرضة للضغط السياسي من الاتحاد الأوروبي. يقول مهاري تاديلي مارو، الأستاذ في مركز سياسة الهجرة والمنسق السابق لبرنامج الهجرة في مفوضية الاتحاد الإفريقي: “يتعين على الدول الإفريقية الآن التفاوض بشأن الهجرة حتى تتمكن من الحصول على المساعدة، ويمكنها الوصول إلى العملات الأجنبية وغيرها من أشكال الدعم الدبلوماسي”.
أهداف سياسية
وينقل التقرير عن آنا نول، رئيسة برنامج الهجرة في المركز الأوروبي لإدارة سياسة التنمية: قولها “كانت هناك أهداف سياسية لوجود صفة بارزة وتركيز واضح على حوكمة الهجرة”.