منى أبوزيد تكتب : في الأزْوَاج والنَّفَقات..!
21مايو2022م
“إنَّ الله يَأمرُ بالعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِي القُربَى” .. الآية التسعون من سورة النحل.
مواقع التواصل والتنافر الاجتماعي ما هي إلا مُوصِّل جيِّد لجُل ما يعتمل في عقول ونفوس المُتواصلين من خلف شاشات تلك الهواتف النقّالة، بتكثيفٍ مُخلٍ حيناً أو بتسطيحٍ مُخلٍ أحياناً. ومَهما كبُرت الهموم الاقتصادية والشجون السياسية سوف تبقى الأولوية دوماً لشؤون وشجون العلاقات العاطفية والأسرية ومن ثَمّ الاجتماعية. بطبيعة الحال سوف يهتم الناس بتصريحات الساسة وسوف يلاحقون أخبار الاقتصاد لكنهم سيظلون أوفياء دوماً للهم الأكبر، هَم العلاقات الإنسانية، التي تُورق وتُثمر، أو تذبل وتضمحل، دوماً، لأسباب شخصية..!
هذا الأسبوع، استوقفني موضوعان كانا مثار مُناقشات واسعة في قروبات “الفيسبوك” الخاصة بالمجتمع المحلِّي. بدأت الحكاية بسؤال عن ما يقوله العلماء بشأن وجوب نفقة الزوجة على الزوج وإن كانت ميسورة الحال. وتمخّضت الردود عن إجابات وأنماط تفكير مُتشابهة في تأثرها بسطوة الأعراف والتقاليد. ثم حاول أحدهم أن يقلب ظهر المجن لصاحب السؤال فقال إن ذات العلماء قد قالوا بأنّ الزوج غير ملزم بنفقات علاج زوجته. فخلق بسؤاله ذاك حالة احتقان وتشنج – على أساس النوع – أنتجت ردوداً تطرَّفَت بين التأييد والمعارضة. كلٌّ على حسب موقعه من خارطة الجندر..!
النساء في السودان لديهن حساسية عالية تجاه موضوع الإنفاق، مرَدُّها – في تقديري – إلى تفاقم ظاهرة الأزواج الذين لا ينفقون على بيوتهم ويُلقون بكامل العبء على زوجاتهم، بدعوى أنهن ميسورات – أو على الأقل نساء عاملات – يمتلكن المال الكافي للإنفاق على أنفسهن وأحياناً أولادهن. وهؤلاء الأزواج أنفسهم منهم من لا يملك ما ينفقه حقاً، ومنهم من يملك لكنه يبخل أو “يستخسر” طمعاً فيما عند زوجته. ولكن في المقابل هنالك حالة واقعية مُهمة وجديرة بالوقوف، هي حالة الزوجة القادرة المُستطيعة التي تلقي بكامل العبء على زوجٍ تعلم أن نفقاتها وأولادها تتجاوز سقف استطاعته وحدود رزقه الذي قسّمه الله له، ومع ذلك تُضيِّق الخناق عليه، وترفض أن تُشاركه الإنفاق بدعوى أن الإنفاق عليها وعلى بيت الزوجية هو واجبه الشرعي..!
فهل يُعقل أن يشمل الحكم الشرعي القاطع مثل هذه الزوجة؟. وهل يُعقل أن يكون الزوج آثماً أو ناقصَ رجولة إن هو تعَشَّم خيراً في أن تواسيه زوجته ببعض مالها؟. وهل يُعقل أصلاً أن تستمر أسباب المَوَدّة ومظاهر الرحمة في علاقة شراكة أحد طرفيها غني ومُمسِك، والآخر فقير ومُثقَل بأعباء الإنفاق على شريكٍ ميسور الحال..؟!
أما الحديث عن الحكم الشرعي القائل بعدم وجوب نفقات علاج الزوجة على زوجها فدعنا نخضعه لذات المنطق. هل يُعقل أن يتّفق الأئمة الأربعة على أن يمتنع الزوج عن الإنفاق على علاج زوجته المريضة، فيتركها نهباً للألم أو عُرضةً للموت، فقط لأنه ليس مُلزماً بذلك شرعاً؟. وهل يُخضع مصطلح “علاج” الذي كان شائعاً قبل أكثر من ألف سنة لذات التعريف “لغةً واصطلاحاً”، وبالتالي يترتّب عليه ذات الحكم عرفاً وشرعاً؟. قطعاً لا، ولن أخوض في بعض التفاصيل – التي تُؤكِّد عدم صِحة قياس حاضر المسلمين على ماضيهم في مثل هذه الفتوى – لأنّها مبذولة لمن شاء على قارعة الإنترنت..!
الذي استوقفني أيضاً – قبل هذا أو ذاك – هو تلك النبرة العدائية التي باتت تغلف مناقشاتنا في شؤون وشجون مؤسسة الزواج التي ندخلها بشروط خوفاً من أحكام الآخرين، ونعيشها بقيود وفقاً لأعراف الآخرين، ثم نَمكثُ فيها كارهين ومُكرهين خشية أن تحيق بنا أحكام ذات الآخرين. والنتيجة زيجات فاشلة، وشركاء تعساء، يتظاهرون أمام الآخرين – طوال الوقت – بأن كل شيء على ما يرام..!
بينما الحل يَكمُن في الإحسان. أن نُحسن إلى شركائنا، بإيجاد العذر، ورفع الحرج، وبعض التنازلات “عشان المركب تمشي”. أو أن نُحسن إلى أنفسنا، بأن لا نُكلِّفها إلا وُسْعَها، فنَخرُج بهدوء، ونُغلِقَ الأبواب..!