21مايو 2022م
حكي أن لصاً تمكّن من ضحيته فسرق ما في جيب جلابيته من مال قليل، وكان اللص والقاضي يستقلان بصاً واحداً، وقبل هروب السارق كشف أمره أحد الركاب وقُبض عليه، ثم قال يا حاج هذا اللص سرقك دون أن تشعر به.
فتمت احالتهم جميعاً الى المحكمة وكان يرأسها القاضي د. عوض الحسن النور.
وبدأ القاضي بسماع القضية، ثم طلب سماع الشاكي، وسأله عن اسمه، فقال: انا عثمان الطيب محمد علي، جنسيتك؟ قال سوداني، كم عمرك؟ قال أنا من مواليد ١٩١٨م، ما هي وظيفتك؟ قال موظف متقاعد.
قال القاضي ما وظيفتك التي تقاعدت عنها؟ قال كنت رئيس القضاء، عملت بالقضاء عاملاً قضائياً في عام ١٩٤٤م وتدرجت في العمل القضائي حتى وصلت قاضي محكمة عليا عام ١٩٦٠م، وعملت نائباً عاماً للسودان في عام ١٩٦١م، ثم عملت بالمحاماة مهتماً بقوانين وقضايا الاراضي وتسجيلاتها، ثم توليت منصب رئيس القضاء في ١٩٦٩/٦/١٩م وتقاعدت بالمعاش في ١٩٧٢/٥/١٣م.
نهض مولانا القاضي الدكتور عوض الحسن النور وامر بإحضار كرسي للشاكي، وان يخاطب المحكمة جالساً، وبعد انتهاء المحاكمة، كتب مولانا الدكتور عوض الحسن النور لرئاسة القضاء: إن كان أمثال العلماء القضاة الذين تعلّمنا من إرثهم القضائي كالقاضي عثمان الطيب محمد علي يستقلون البصات ولا يمتلكون سيارات، فنحن نرفض أن تُخصّص لنا أي سيارة، وبعد ذلك امرت السلطة القضائية بتسليم رئيس القضاء الأسبق عثمان الطيب سيارة.
وقبل وفاته قال لأسرته: في حال وفاتي أعيدوا السيارة للقضاء.
رحل القاضي الأمين والصادق والنزيه والعالم عثمان الطيب، ونُفِّذت وصيته وأُعيدت السيارة للقضاء.
أيها السادة، هذا هو القضاء السوداني، وهؤلاء هم القضاة الفحول وهم شرفاء هذه الأمة، وعنوان النزاهة والأمانة والعدل والصدق.
ولذلك يا (قحت)، القضاء السوداني إرثٌ وتاريخٌ وقيمٌ وخُلقٌ، ولذلك الكل يصر على استقلاله، وهو كذلك من لدن أبو رنات.
أيها السادة، إنّ القاضي عثمان الطيب محمد علي هو والد الأستاذة نوال وهم أم درمانيون من سُكّان الموردة.
سلمت أيُّها القاضي النزيه عثمان وسلم معك القضاء السوداني.
والتحية للقاضي الدكتور عوض الحسن النور والذي تولى في الأيام الأخيرة وزير العدل والنائب العام، وكان نِعمَ القانوني الضليع.
إنّه الإرث القضائي والقانوني السوداني.
وإلى الجميع التقدير.