كتب: سراج الدين مصطفى 20 مايو 2022م
(1)
(الإبداع لا يورث) .. هذه المقولة صادقة وحقيقية إلى حد ما .. ولكن ليس بمطلق الكلمة .. فالإبداع أحياناً يتوارث ويصبح الجين الإبداعي يتناسل .. أقول ذلك وفي ذهني المبدعة (ماريا النمر ) الإعلامية والتشكيلية ذات التميز والتفرد والتمرد.. فهي لم تحفر كوقع الحافر على الحافر كشقيقتها الكبرى الإعلامية (نسرين النمر)، ولكنها اختطت لنفسها طريقاً مُغايراً ومُختلفاً من حيث التكوين الجمالي.
أكثر ما يستوقفني في ماريا النمر روحها المتمردة على الراهن التقليدي وقدرتها على تجاوز الأنماط المستسهلة في حقل ابداعها.. كانت جزءا اصيلا من ثورة ديسمبر في الشارع والبيت والمسرح .. لونت أرض الاعتصام ببعض الجداريات والتي تم مسحها لاحقاً ولكنها محفورة في الذاكرة السودانية.
(2)
ماريا النمر تخرجت في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية تخصص قسم التلوين.. وكما يقول الأستاذ الصحفي محمد عكاشة (تفتقت موهبتها استمداداً من مهد مولدها عند منحنى النيل بشمال السودان جزيرة مساوي محافظة مروي، حيث نشأت وترعرعت هنالك، فكانت قريتها مصدر إلهام وملمح قادها لسلوك درب الفن.
(3)
مساوي الجزيرة الأم بقعة تساوت بها ضفتا النيل و(مت ساوي) باللغة الكوشية تعني الأرض الطيبة، وهذه الأرض تقول عنها ماريا: (هي التي ألهمت وجداني بطبيعتها الساحرة الراقصة في الضفاف، تشكّلت عندي الخطوط الأولى للرسم بمسارات جداول المياه ومسارات أسراب الطيور عند الرجعة في المغيب، بل وفي كل زاوية من زوايا القرية كنت أجد ملمحاً للرسم والتلوين…).
(4)
ماريا النمر اختارت كلية الفنون بكامل رغبتها ولم يعارضها عليها احد من افراد أسرتها، لتصقل موهبتها بالعلم وكانت تجربتها مع اللون بداية المشوار لمشروع كبير، ففي معرض التخرج بكلية الفنون برزت اعمالها في (اللاندسكيب) ومع انتهاء سنين التعلم بالكلية تأكدت اتجاهاتها في اللون لتبدأ مشواراً آخر اكثر دقة في تخصص اللاندسكيب بالألوان المائية، وهذا هو المشروع الذي اختارته ليكون توجهها اللوني والحياتي.
(5)
الفنانة ماريا النمر تجد نفسها في زخارف البيوت النوبية، وتميزت أعمالها برسم البيوت النوبية ذات الزخارف والنقوش المختلفة بما تحمله من إيحاءات كثيرة من اللغة التي تدل على طقوسهم الخاصة من أفراح وأحزان، كما لديها أعمال يدوية في الفن الأفريقي، وإن قسماً كبيراً من أعمالها يتميز بملمح من الفن الأفريقي وإن الاحتفاء بأفريقيا الأم يظهر جلياً في أعمالها، وما يميز ألوانها وخطوطها في (الأفريقيانية) هو تباين الألوان وحضور الحلى او الاكسسورات، فضلاً عن حرارة الألوان المشرقة في العمل والموديل الأفريقي بمختلف سحناتهم.
(6)
الفنانة ماريا النمر تولى في أعمالها ومشروعها الإبداعي السودان لما يزخر به من تعدد في الألوان والسحنات والأعراق.. وهي منه تستلهم صور البيوت.. الوجوه.. الشوارع.. الأسواق.. المدن القديمة.. الصوفية.. نيران المسيد.. حلقات الذكر .. طقوس الأعراس.. طقوس الزراعة وجني الثمار وكل ذلك تعتبره مواضيع ملهمة بالنسبة للفنان التشكيلي لكونه باحثا ومفتشا وناقدا، ودائماً ما يبحث عن قيم الحق والجمال.
(7)
ماريا النمر توقن وهي تقول: (بأن ثورة ديسمبر المجيدة أنصفت الفن التشكيلي وأخرجته من الظلمات الى النور والفنان التشكيلي كذلك أنصف الثورة منذ بداية الحراك الأولى، إذ قام الفنانون بعمل خطير وكبير خلف الأبواب المغلقة من طباعة بوسترات المواكب الأولى وقت أيام الظلام حتى سقوط النظام وبعد ذلك لوّنوا للوطن الخراب في الشوارع والساحات وتحت الأنفاق وجملوا شوارع السودان).