النذير إبراهيم العاقب يكتب : أزمة الغذاء العالمي.. حلول سودانية
20 مايو 2022م
*
الثلاثاء الماضي، أقرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وفق وكالة بلومبرج في وارسو بأن الهجوم الروسي على أوكرانيا تسبّب في تفاقُم قضايا الأمن الغذائي حول العالم.
وقفزت أسعار القمح العالمية لتقترب من مُستويات قياسية بعدما تحرّكت الهند لفرض قيود على الصّادرات، مَا يَعكس مَدَى شُح الإمدادات العالمية في ظل استمرار الصراع في أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الأزمة حول العالم.
وذكرت يلين بأنّ المسؤولين يعتزمون إصدار خُطة عمل للتعامُل مع أزمة انعدام الأمن الغذائي، وقالت إنها ستتضمّن سُبُل المُضي لتوفير دعم كبير وسريع لجهة إعادة الأمر لمساره الطبيعي والعمل على توفير الإمداد الغذائي بما يُوقف الأزمة قبل تفاقمها.
على ضوء ما سبق، تبدو الفرصة واسعة أمام السودان الذي من المعلوم أنه يمتلك أكبر المقومات الزراعية في المنطقة العربية، إن لم تكن في العالم ككل، وذلك بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحات غابية تُقدّر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع)، فضلاً عن أن معدل أمطار سنوي يزيد على أربعمائة مليار متر مكعب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي بكميات تكفي حاجة العالم كله، نَاهيك عن الحاجة الداخلية أو للوطن العربي.
بيد أنّ الواقع المعاش الآن يُؤكِّد بجلاءٍ عدم قُدرة السودان على استغلال موارده الطبيعية لجهة خلق اقتصاد قوي وتحقيق الشعار أعلاه على أرض الواقع، حيث إن هناك كثيراً من الموارد غير المُستغلة، تتمثّل في الموارد الزراعية والحيوانية والثروات المعدنية، مثل الذهب، بجانب الثروة البشرية.
وتُقدّر الأراضي الزراعية المستغلة في السودان حالياً بنحو 45% فقط من جملة المساحات المُتاحة للزراعة.
ولا شك أن السودان يملك مقومات زراعية هي الأكبر بالمنطقة العربية عامة، وفي مقدمة دول العالم المصنفة في هذا المجال.
إلا أنه وبرغم الثروات الطبيعية والموارد الكبيرة في السودان، نجد أنه ظل ومازال يعاني اقتصادياً من أزمات متعاقبة ساءت معها الأحوال المعيشية للمواطن، ولن تتجه أي من حكوماته المتعاقبة على استغلالها الاستغلال الأمثل لتوفير الأمن الغذائي المحلي والعالمي كذلك، وذلك من منطلق امتلاك السودان مقومات زراعية كبيرة، وبواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تُقدّر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع).
ولعل الأزمة الاقتصادية التي ظلّ السودان يعيشها منذ استغلاله وحتى الآن تعود إلى اختلالات وتراكُمات تاريخية من بينها تراكُم الدَّين الخارجي.
إن الدَّين الخارجي فاق 70 مليار دولار حتى منتصف العام الجاري، ورغم الإعفاءات التي صاحبت مؤتمر باريس العام الماضي، إلا أنّه أثّر بشكل كبير على مفاصل الاقتصاد وعلى قُدرة الحكومة في استغلال مواردها الكامنة.
ومرد ضعف استغلال الموارد بالطبع يعود إلى عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية، ولكن ما المبرر الذي تبرِّر به الحكومة الحالية عدم شروعها في توفير كل ما من شأنه أن يُعزِّز قُدرة السودان على أن يكون الدولة الأولى في العالم من حيث الإنتاج الزراعي؟! فضلاً عن عدم قُدرة ذات الحكومة لإزالة العراقيل التي من شأنها عدم تشجيع الاستثمار والمُستثمرين الزراعيين على الدخول في الاستثمار الزراعي لاستغلال الموارد الطبيعية، خاصة، كما أسلفنا أن السودان يمتلك مقومات الاستثمار في القطاع الزراعي والتي تُميّزه عن غيره من الدول الأخرى، لا سيما وأن القطاع الزراعي يُشكِّل ميداناً مفتوحاً لاستقطاب الأيدي العاملة والتخفيف من نسبة البطالة، فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وفقاً لبياناتٍ رسمية خلال السنوات الماضية.
ووفقاً لآخر إحصائيات منشورة للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، فإنّ قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية تبلغ 34 مليار دولار سنوياً، تُمثل الحبوب أكثر من نصف تلك الفجوة.
وثمّة مخاوفَ من زيادة الفجوة الغذائية من الحبوب واللحوم وغيرها لتبلغ قيمتها التقريبية 53 مليار دولار بحلول 2024م، و60 مليار دولار بحلول 2030م، وما لم يتم تفعيل مُبادرة الأمن الغذائي العربي، والتصدي للتحديات من خلال المشاريع العربية الاستثمارية المُشتركة مع السودان، فإنّ الأرقام المتوقعة ستصبح واقعاً.
وفي تقرير لبرنامج الغذاء العالمي بالسودان لعام 2018، كشف التقرير عن وجود 1.2 مليون طفل سوداني في سن المدارس الابتدائية، يُعانون من انعدام الأمن الغذائي في التغذية المدرسية، بينما 99 بالمائة من اللاجئين و98 بالمائة من النازحين داخلياً، لا يمتلكون القُدرة على تأمين سلّة الغذاء المحلية.
وسبق أن كشفت دراسات سُودانية رسمية، أنّ 20 بالمائة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة، تتمُّ زراعتها، من أصل 57 بالمائة صالحة للزراعة من مساحة السودان.
ما سَبقَ، يحتم على الحكومة السودانية الشروع الفوري ولأجل تحقيق مبادرة الأمن الغذائي العربي، الشروع الفوري في تعديل العديد من القوانين الاستثمارية والإجراءات لتسهيل عَمل المُستثمرين العرب خاصة ومن كل أنحاء العالم، على أن يلتزم السودان بموجب قوانين تشجيع الاستثمار هذه بحماية الدولة للاستثمارات والمستثمرين، وبناء سياساته القادمة على مقاربة ثنائية، تعتمد وفرة مقومات زراعة غنية قادرة على سد الفجوة الغذائية العالمية، بما يجعله يستحق عن جدارة مسمى (سلّةُ غذاء العرب)، واليقين بعدم خذلان الدول العربية الغنية، في توفير رأس المال اللازم لاستغلال الأراضي الزراعية في السودان لأجل تحقيق الشعار المعلوم بأن (السودان سلة غذاء العالم).